حركات تقويمية، تمردات، معارضة داخلية... أسماء مختلفة لوصف ظاهرة واحدة، وهي الانشقاقات بالأحزاب السياسية بالجزائر، والتي بدأت بحزب واحد قبل أن يصل عددها إلى 41.
فمنذ الانفتاح السياسي للبلاد على التعددية الحزبية، إثر اعتماد دستور 1989، عرفت الطبقة السياسية بالجزائر، بمختلف أطيافها، حركات داخلية، أفضت إلى تشقق الحزب، وبروز أحزاب صغيرة كشظايا لتلك الانشقاقات.
أحزاب تتوالد
طالت الانشقاقات عديد الأحزاب، بدءا بحزب الطليعة الاشتراكية، وحركتي النهضة والإصلاح، إلى جانب اهتزاز حزب جبهة التحرير الوطني عبر ثمانية انقلابات، تفاعلا مع تطورات مراحل معينة من التاريخ السياسي بالجزائر.
وقبل أن يخرج إلى العلن سنة 1990، كان حزب الطليعة الاشتراكية يملك أكبر عدد من المناضلين في صفوف طلبة الجامعات، سنوات السبعينيات، وكانت له قاعدة واسعة عند نقابات العمال، كما كان يضم أسماء لامعة من عالم الفن والفكر والثقافة.
وبُعيد اعتماده حزبا سياسيا بموجب دستور 1989، عرف الحزب حركة انشقاق، تلاشت على إثره قوته السياسية.
وتوالت الظاهرة حتى مست أحزابا إسلامية، في خضم الأحداث التي عرفتها الجزائر سنوات التسعينيات، إذ تعرض حزب "حركة النهضة" الذي كان يتزعمه عبد الله جاب الله، للانشقاق عام 1997.
فبعد أن حصد 34 مقعدا إثر الانتخابات التشريعية الأولى بعد توقيف المسار الانتخابي سنة 1992، سحبت عضوية الحزب من جاب الله، ليؤسس حزب "حركة الإصلاح"، ويفوز بـ43 مقعدا بالبرلمان خلال انتخابات 2002، ثم أعيد إسقاطه من كرسي الزعامة ليؤسس بعدها حزبا ثالث هو حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه لغاية اليوم، لكنه لم يحظ بقاعدة كبيرة مثل الحزبين السابقين.
وحتى أحزاب المولاة لم تسلم من حركات الانشقاق، إذ عرف الحزب الذي يحكم الجزائر اليوم، وهو حزب جبهة التحرير الوطني، عديد الصراعات الداخلية، وبلغ الأمر ببعض مناضليه إلى حد التصادم بالأيدي والعصي.
جبهة التحرير عرفت تداول 8 أمناء عامين عليه، كلهم خرجوا إثر صراعات داخلية وحركات تصحيحية متتالية.
حزب أحمد أويحيى، التجمع الوطني الديمقراطي، تعرض بدوره لهزات ارتدادية عديدة، وخرج منه مناضلون وأسسوا حزبا آخر برئاسة أمينه العام السابق، الطاهر بن بعيبش، لكن تولي أويحيى لرئاسة الحزب جعله في مأمن من هزات كبيرة حتى الآن.
هذه المشاهد عززت مكانة السلطة، التي ترى، وفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري، علي زداك، بأن الطبقة السياسية بالجزائر لا تملك مشروع مجتمع قائم بذاته، وهمها الوصول إلى السلطة بأي ثمن، وهو سر تمسك بعض قياداتها بمناصبهم.
ويرى زداك أن الانقلابات التي عرفتها بعض الأحزاب لا تعدو أن تكون صراعات من أجل الزعامة، مشيرا إلى أن معظم المنشقين أسسوا أحزابا كذلك، من دون أي تغيير في مرامي العمل السياسي، وهو دليل على أن الاختلاف لم يكن حول المحتوى السياسي ولا المشاريع المقدمة، وفق تحليله.
أما عن إمكانية أن تكون للسلطة يد في تلك الانشقاقات، فيوضح المتحدث ذاته أنه لا يمكن تأكيد تدخل السلطة أو أي جناح فيها في هكذا قضايا، مرجحا أن يكون اتهام السلطة مجرد تبرير الفشل في التسيير على مستوى الحزب نفسه.
الأحزاب والسلطة
في الاتجاه نفسه، يذهب المحلل السياسي، عبد العالي رزاقي، مشيرا إلى أن اتهام السلطة بالوقوف وراء الانشقاقات في الأحزاب "مجرد سلعة سياسية للاستهلاك الإعلامي".
وفي حديث لـ"أصوات مغاربية"، يلفت رزاقي النظر إلى ما يعتبره صمودا لأقدم حزب معارض بالجزائر أمام رياح الانشقاق تلك، في إشارة لحزب جبهة القوى الاشتراكية، الذي كان يتزعمه الراحل حسين آيت أحمد.
ما يعتبره رزاقي صمودا لجبهة القوى الاشتراكية يعكس، وفق طرحه، بعد السلطة عن التدخل في الأحزاب وشقها، قائلا: "لو كانت السلطة تستطيع التلاعب، لتمكنت من حزب الدا الحسين".
"السر في تلك الانشقاقات هو كون تلك الأحزاب بدون مشروع مجتمع ولا شخصية سياسية حقيقية تحقق الالتفاف"، يردف المتحدث ذاته.
أما عن مسألة استفادة السلطة من انشقاقات الأحزاب، فيؤكد المحلل السياسي أن هذه الاستفادة تجلت في دعم صورتها لدى المجتمع الدولي، مقابل إعطاء صورة قاتمة عن الطرح السياسي البديل الذي تعرضه بعض الأحزاب.
فرضية الاختراق
غير أن الناشط السياسي، عمارة عبد الكريم، لا يتفق مع الطرح الذي ينزع يد السلطة من العبث بمصير أحزاب سياسية بالجزائر.
عبد الكريم يرى أن أغلب الأحزاب السياسية بالجزائر عرفت اختراقات من طرف أجهزة الدولة، خصوصا خلال العشرية السوداء، "حيث كان الحكم بالجزائر شبه عسكري"، على حد وصفه.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن السلطة "حرصت على عدم استقرار الطبقة السياسية خدمة لبقائها".
كما يرى هذا الناشط السياسي أن هناك "شبه تواطئ بين المنشقين عن بعض الأحزاب، وأطراف في السلطة"، ويستدل المتحدث على ذلك بـ"اعتماد طلباتهم لتأسيس أحزاب 'ميكروسكوبية' خدمة لمشاريع السلطة داخل البرلمان"، على حد قوله.
المصدر: أصوات مغاربية