قيادته للمفاوضات مع التنظيم المسلح المعروف اختصارا بـ"الأيياس"، توّجت بهدنة ومهدت الطريق لطي صفحة الإرهاب وعودة الأمن للجزائر.
اشتهر الجنرال إسماعيل العماري باسم "مهندس" جولات الحوار مع الإسلاميين وإقناعهم فيما بعد بالتخلي عن السلاح والانخراط في مسار المصالحة.
زمن البدايات
في الأول من يونيو من سنة 1940 ولد إسماعيل العماري في حي الحراش بالجزائر العاصمة، ضمن عائلة متكونة من 8 أفراد. تتلمذ بأحد المدارس الابتدائية، ولما بلغ سن 18 عاما التحق بصفوف الثورة التحريرية.
عقب استقلال الجزائر، واصل إسماعيل العماري مساره في صفوف الجيش الجزائري، بدءا بالقوات البحرية، وتدرج في عدة مسؤوليات ورتب.
مع بداية التسعينات، كان الجنرال العماري يدير جهاز مكافحة التجسس، ويشرف على تسيير ملف الجماعات المتشددة التي كانت تنشط في الجبال.
علمه بخبايا هذا الملف سمح له بقيادة مفاوضات مع قيادات الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1997، مما وضع حدا للعمل المسلح.
جدل الانتخابات
اختلفت الشهادات التاريخية بخصوص مشاركة الجنرال العماري في توقيف المسار الانتخابي الذي عرف فوز الإسلاميين بالدور الأول للانتخابات التشريعية، بحكم المنصب الذي كان يتولاه في تلك الحقبة.
ويشير المحامي عبد الغني بادي، إلى أن خالد نزار، بصفته وزيرا للدفاع، كان وراء ما حدث، غير أنه يؤكد، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن الجنرال العماري لم يختلف مع مدبري ما حصل حول مسألة إلغاء نتائج الانتخابات، "لكنه لم يكن عرابا وفاعلا مباشرا"، وفق قوله.
ومن خلال ما سبق، لا ينكر المحامي العارف بخبايا تلك الفترة، عبد الغني بادي، دور الجنرال إسماعيل في هندسة الهدنة مع "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، خلال فترات لاحقة، تمهيدا لمسار السلم.
فقد جمعت جولات المفاوضات الجنرال إسماعيل، ممثلا لجهاز المخابرات، ومدني مزراق، مسؤول الجناح المسلح للجبهة الإسلامية للإنقاذ.
"في كل أزمة أو حرب، يمكن للجيوش تجزئة العدو"، هكذا يلخص الضابط السابق في المخابرات الجزائرية، محمد خلفاوي، مجريات تلك اللقاءات.
فبناء على هذه القاعدة التي يشير إليها خلفاوي، اهتدت المخابرات الجزائرية إلى فكرة المفاوضات مع الإسلاميين
ويقول خلفاوي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن المخابرات الجزائرية فوضت للجنرال إسماعيل العماري إطلاق مفاوضات مع الجيش الإسلامي للإنقاذ، بغية تحييده.
ويهدف هذا المسار، من وجهة نظر عسكرية، يضيف الخلفاوي، إلى تخفيف المواجهة مع الجماعات المتشددة وعزل هذا التنظيم المسلح، كما كانت له دوافع سياسية أخرى.
شهادة أعداء الأمس
سبق لقيادات التنظيم العسكري المسمى "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، منهم مدني مزراق، تقديم شهادات تؤكد طريقة قيادة الجنرال إسماعيل للمفاوضات.
وفي شريط توثيقي أنجزته إحدى القنوات الجزائرية، أكد مزراق أنه ليلة قبل انطلاق المفاوضات، تعرضت مواقع التنظيم في الجبال إلى قصف جوي.
في تلك الاثناء، اتصل مزراق بالجنرال إسماعيل يستفسره عن حضوره لموعد اللقاء الذي كان مقررا في جبال جيجل التي كانت تحت سيطرة الجيش الإسلامي.
يقول مزراق إن الجنرال قال له بالحرف: "سأكون في الموعد المتفق عليه حتى ولو فاضت السماء بالحجارة"، مما يؤكد حرصه، وفق مرزاق، على وقف حمام الدم.
ومن بين المواقف التي يشهد بها أعداؤه بالأمس، أن الجنرال قدم إلى اللقاء دون حراسة، وتوغل في جبال جيجل متحديا كل أشكال الخوف.
عقد أول لقاء بمنطقة "لخناقة"، لتنطلق لقاءات أخرى وصلت إلى 30 لقاء، كانت سببا في طي صفحة الإرهاب نهائيا بالجزائر، بحسب قيادات التنظيم.
ترك الجنرال إسماعيل العماري بصمته في مسار المصالحة، قبل أن يتوفى سنة 2007 بعد تعرضه لنوبة قلبية عن عمر يناهز 67 سنة.
المصدر: أصوات مغاربية