"نحب الحياة مثلكم، مثل كل أحياء هذا العالم، لكن ليس أيّ حياة"، هذه العبارة التي أطلقها الروائي الجزائري، مولود معمري، تلخص فلسفته في الحياة التي أورثها القبائل أولا، ثم أمازيغ الجزائر والمغرب الكبير.
مولود معمري، باحث وروائي أمازيغي، ارتبط اسمه بتاريخ العشرين من أبريل 1980، الذي يرمز إلى "الربيع الأمازيغي".
إذ تسبب منع السلطات الجزائرية لمحاضرته التي كانت مقررة في ذلك اليوم، حول الشعر الأمازيغي القديم، في إطلاق شرارة الحراك الأمازيغي بالجزائر، وشمال أفريقيا.
'مؤلف' اللسان الأمازيغي..
ولد "دا المولوذ" كما يسميه القبايليون، في 28 ديسمبر 1917، في ضيعة صغيرة تسمى "ثاوريرث ميمون"، بآث يني، ولاية تيزي وزو، شرقي الجزائر.
بدأ معمري تعليمه في المدارس الفرنسية بالمنطقة التي كان يقيم بها، ثم انتقل بعد ذلك إلى فرنسا، حيث التحق بالمدرسة العليا للأساتذة، حتى تخرج منها سنة 1940.
بعد عودته إلى الجزائر، التحق بكلية الآداب واللغات بجامعة الجزائر (الجامعة المركزية اليوم)، حيث بدأ يشارك بمقالات تحليلية من منطلق أدبي، لكن بحس "وطني" كلفه المتابعة من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية.
بعده المغاربي، شربه من خلال مشاركاته الفكرية في مجلة "أكدال، التي تصدر من المغربية، إذ تمحورت كتاباته بشكل عام حول المجتمعات الأمازيغية بالشمال الأفريقي، بمقاربة أنثروبولوجية، "جعلته مؤسس التخمين في الإرث الأمازيغي بالمغرب الكبير" على حد وصف الناشطة الأمازيغية، حياة عبّة.
انتقل إلى الرباط سنة 1957، بعد أن اشتد الخناق حوله بسبب مضايقات الشرطة الفرنسية، وكانت فرصة له للتعرف على ألسنة الأمازيغ في المغرب، فقرر تأليف معجم للسان الأمازيغي.
جامع شمل الأمازيغ!
يقول أستاذ التاريخ بجامعة جيجل، ميلود نعيمي، إن معمري تميز ببعد مغاربي واضح "قبل حتى أن يسافر إلى المغرب هربا من المتابعة الفرنسية".
وفي حديث لـ"أصوات مغاربية"، أبرز هذا الجامعي الدور الذي لعبه الرجل في لم شمل أمازيغ المغرب الكبير، "في وقت لم يكن هناك لا فيسبوك ولا تويتر" على حد تعبيره.
اقرأ ايضا: مفجر الربيع الأمازيغي.. 10 حقائق عن مولود معمري
سنة 1963، تولى مولود معمري، رئاسة اتحاد الكتاب الجزائريين، مباشرة بعد استقلال الجزائر، إذ كان أول رئيس لهذه الهيئة التي ما زالت تنشط لغاية اليوم.
لكن حماسة الرجل للقضية الأمازيغية، وقفت عائقا أمام توافق الرؤى بينه وبين كتاب آخرين، وهو السبب وراء تركه اتحاد الكتاب مبكرا، يؤكد ميلود نعيمي.
ويبر المتحدث نفسه، ارتباط أعمال معمري بالفاعلين الحقيقيين في المجتمع الأمازيغي، وقربه الشديد منهم.
"كان قريبا جدا من البسطاء، وهذا سر اكتشافه لمفاهيم الارتباط العضوي بين الأمازيغ وأرضهم" يكشف نعيمي لـ"أصوات مغاربية"، قبل أن يضيف قائلا "أمازيغ المغرب جلسوا إليه كثيرا حتى تعلموا اللسان القبايلي، بحسب رواية أحد المقربين منه".
لم يعادِ العربية.. ولا الإسلام
يؤكد مدير المركز الوطني لتعليم تمازيغت، عبد الرزاق دوراري، في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية، أن مولود معمري، وبخلاف ما كان يروج، "لم تكن لديه أية عقدة من اللغة العربية، ولا الإسلام".
ويردف المتدخل ذاته، أن رؤيته للأمازيغية "باعتبارها عنصرا أساسيا في الشخصية المغاربية، كلفه هذه الصورة كمعادٍ للعربية"
أما الناشطة الأمازيغية حياة عبة، فترى أن محاولة اتهامه بما ليس فيه "مجرد تلفيق، لأنه أسس لفكر أمازيغي متحرر، وكتب له أن يكون خالدا في المخيال الجماعي المغاربي".
وتتابع حياة عبة، "مولود معمري مفكر، وله مقاربات فلسفية، وهو متفتح على الجميع، ولا يمكن أن يكون رافضا لا للإسلام ولا للعربية، لكن الأمازيغية عنده أولوية تاريخية وأنثروبولوجية، كما كان يردد دائما".
رمز النضال الأمازيغي
صدرت لمولود معمري، عديد الروايات، لكن روايته الربوة المنسية، التي نشرت عام 1952، كانت أشهر ما كتب، إذ بلغ صداها العالم بأسره، وقال فيها طه حسين "كتاب الربوة المنسية دراسة اجتماعية عميقة دقيقة، تصور أهل هذه الربوة في عزلتهم، وقد فرغوا لأنفسهم واعتمدوا عليها، فلم يكادوا يذكرون أحدا غيرهم من الناس".
وصدر لمولود معمري العديد من الأعمال الروائية الناجحة، مثل، "غفوة العادل" (1955) و"الأفيون والعصا" (1965)، "العبور" (1982).
ألف معمري ديوانا شعريا أيضا، بعنوان "أشعار القبيلة" سنة 1980، وترجمت أعماله الفنية إلى أعمال سينمائية، مثل فيلم "الهضبة المنسية" من أخراج سعيد مدور، و"الأفيون والعصا"، لأحمد راشدي.
توفي مولود معمري شهر فبراير من سنة 1989، في حادث مرور مأساوي، أودى بحياته وهو في طريق العودة من المغرب إلى الجزائر، بالضبط في منطقة عين الدفلى، غربي العاصمة.
ويرقد الراحل بقريته في أعالي جبال القبائل، في آث ميمون، حيث يعد قبره اليوم رمزا للنضال الفكري لأجل العودة للأصل الأمازيغي.
المصدر: أصوات مغاربية.