بعدما انفصلت والدته عن والده، ورث هشام في سن مبكرة، عبئا ثقيلا، يتمثل في إعالة 12 فردا من أشقائه، بينهم ثلاثة معاقين.
طالما راودته فكرة الهجرة نحو الضفة الأخرى، لكن شعلة هذا الحلم سرعان ما كانت تخمد عند رغبة والدته في أن تعيش لحظة حصول ابنها على شهادته الجامعية، والاستقرار في وظيفة قارة، قبل أن يجد نفسه مستقرا خلف طاولة لبيع السجائر.
محام يبيع السجائر
هشام (33 سنة) حقق أمنية والدته في نجاحه في الدراسة الجامعية، حاز شهادة "الليسانس" في الحقوق في 2009، بعد سنوات من الاجتهاد.
ولم يكتف هشام بهذا الإنجاز، بل أتبعه بتكوين لعامين في سلك المحاماة، ظفر بعده بشهادة الكفاءة المهنية، كما أدى القسم لمزاولة هذه المهنة، غير أنه لم يتمكن من ممارستها لأسباب رفض ذكرها.
يحتل هشام حاليا زاوية في مدخل سوق "باش جراح" الشعبي، بالجزائر العاصمة، ناصبا طاولته التي يعرض فيها علب السجائر، بجوار طاولة أخرى يضع عليها مناديل ورقية مخصصة للبيع.
بشيء من الحياء، يقول هشام في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن هذه الطاولة هي مصدر رزق لعائلته.
زيادة على ذلك، يقول هشام إنه حقق رقما قياسيا في قرع أبواب المؤسسات والإدارات بحثا عن وظيفة، إذ أودع ما يقارب 173 سيرة ذاتية أثناء مسابقات توظيف.
حظوظ هشام في التوظيف كانت في كل مرة تصطدم بأسباب يراها غير مقنعة، كان آخرها مشاركته في مسابقة ضباط الشرطة التي لم يفلح فيها بسبب ضعف البصر.
العراقيل التي تقف في مسار هشام لم تثنه عن مواصلة البحث، فالأمل في الحصول على وظيفة ما زال قائما، على حد قوله، مع حرصه على عدم التفريط في طاولته التي تقتات منها عائلته.
حلم مؤجل
ليس هشام الخريج الجامعي الوحيد الذي يعرض سلعة على قارعة الطريق المزدحم بالمارة في سوق "باش جراح"، فالسوق يعج بشباب متخرجين من جامعات بدبلومات مختلفة.
بين هؤلاء إلياس، شاب في منتصف العشرينات من العمر، تخرج بدبلوم التجارة الدولية منذ سنتين، غير أن مصيره انتهى به في السوق، متخصصا في بيع الأواني.
يعرض إلياس أطباقا وكؤوسا زجاجية على طاولة تتحرك بعجلات حتى يسهل عليه جرها والفرار بها عند مداهمة أفراد الشرطة للسوق، خلال دوريات مطاردة يومية للباعة المتجولين.
يقول إلياس، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن قصته في هذا العمل لم تبدأ حديثا، بل منذ كان في المرحلة الثانوية.
لا يتوقف طموح هذا الشاب عند تحصيل المال، فهو يرغب في تحقيق حلمه في الهجرة إلى أوروبا، حتى يحسن وضعه المعيشي، ويتابع دراسته العليا.
وقد يحجم إلياس عن هذا الطموح، كما يقول، إذا تحققت رغبته في الانخراط في صفوف جهاز الحماية المدنية، فقد شارك مرتين في مباريات ولوجه دون أن ينجح في أن يصبح ضابطا في هذا السلك، كما يحضر لاجتياز اختبار الحصول على رخصة "طاكسي" لنقل الركاب.
الشهادة معطلة
على بعد أمتار، يعرض إسلام، الشاب الثلاثيني، مجموعة من مستلزمات البحر، من كراس وشمسيات، مستظلا بإحداها تحت أشعة شمس الجزائر العاصمة الحارقة.
إسلام حاصل على دبلومين، الأول في التسويق والثاني في الحقوق، لكنه لم يختر حرفته الحالية، بائعا لمستلزمات البحر، طواعية، كما يقول.
"لجأت إلى هذا العمل بعدما تقطعت بي السبل في الفوز بوظيفة.. الشهادة الجامعية لا فائدة مرجوة منها، غير أنها تحسن صورتك وتزيد من مكانتك داخل العائلة والمجتمع.. لكنها ما توكلش الخبز"، يقول إسلام.
كان شقيق إلياس الأكبر سببا في دخوله ميدان التجارة، إذ كان يصطحبه معه إلى السوق في أيام العطل حتى يساعده في تحصيل عائدات مادية لإعالة عائلة متكونة من 5 أفراد.
خلال حديثه مع "أصوات مغاربية" عن الدراسة والتوظيف، ظل إسلام حريصا على أن يؤكد أنه حاول، في مناسبتين، المشاركة في إحدى مسابقات التوظيف بمركز تجاري، لكنه لم يفلح بسبب "المحسوبية"، كما يقول.
منذ ذلك الحين، أقسم إسلام على أن لا يقدم على أية وظيفة عمومية، وحصر كل اهتماماته في عالم التجارة، بعد تجربته التي تجاوزت 8 سنوات في عدة أنشطة، منها أيضا بيع الذهب المستخدم.
كغيره من الشباب الجزائريين، لا يخفي إسلام حلمه بالهجرة، قائلا إن هذا الحلم مؤجل إلى حين حصوله على التأشيرة "ثم الذهاب دون رجعة"، على حد قوله.
المصدر: أصوات مغاربية