الطلب على الشاي الصحراوي المميز، والمداخيل التي يذرها هذا النشاط، أمور تشجع العديد من أبناء الجنوب الجزائري على التنقل نحو الشواطئ الجزائرية صيفا، للعمل أساسا، وللاستمتاع بالبحر البعيد عنهم بأميال.
عمل واستجمام
لم يتمكن ياسين (19 عاما) هذه السنة من الحصول على شهادة الباكالوريا، وتحقيق حلمه في الالتحاق بالمدرسة العليا للإعلام الآلي، ليدرس بصف المهندسين في البرمجيات، كما كان يحلم.
مباشرة بعد خيبة النتائج، توجه ياسين، رفقة أبناء بلدته، قاصدين مدينة ساحلية لتمضية فصل الصيف، ليس بغرض الاستجمام فقط ونسيان خيبة أمله، بل لبيع الشاي الصحراوي على الشاطئ.
يتحدر ياسين من منطقة شروين، شمال ولاية أدرار، الواقعة في أقصى الجنوب الجزائري. صادفته "أصوات مغاربية" بشاطئ "صابلات" بمستغانم، غرب الجزائر.
يطبع ياسين طبع مرح، رغم عمله المضني الذي يتطلب منه التجول لساعات فوق رمال الشاطئ اللافحة وتحت شمس الصيف الحارقة.
طوال اليوم، يحرث هذا الشاب العشريني الشاطئ ذهابا وإيابا، بقدمين حافيتين ورأس لا تحجبه عن الشمس سوى عمامة، مغطيا جسده بعباءة بالية، حاملا بيمناه إبريق شاي وبيده اليسرى يمسك دلوا به مكسرات.
يقول ياسين، في حديثه مع "أصوات مغاربية"، إنه تعوَّد، منذ 4 سنوات، على قضاء فصل الصيف يجوب الشواطئ، رفقة أبناء بلدته، لبيع الشاي الصحراوي.
طيلة موسم الاصطياف بشاطئ "صابلات" بمستغانم، يتبع ياسين برنامجا أعده مسبقا، يجمع بين العمل والاستجمام، إذ يقضي يومه في بيع الشاي، لكنه يخصص وقتا، قبل العمل وبعده، للسباحة.
"لا أريد من وراء هذا النشاط الربح المادي، فوضع عائلتي جيد.. هدفي هو الاستجمام والاستمتاع بالسباحة وتمضية العطلة بالقرب من البحر بما أكسبه من عائدات الشاي"، يقول ياسين.
نشاط مربح
يتوافد على شاطئ "صابلات" الممتد على مسافة 4 كيلومترات، عدد كبير من المصطافين، خاصة الجزائريين المقيمين بالخارج، الذين يُعدُّون أكثر زبائن باعة الشاي الصحراوي.
محمد أحد باعة الشاي بهذا الشاطئ، شاب يستعد لدخول عامه الثلاثين. قدم محمد إلى مستغانم من بلدية تيميمون، التابعة لولاية أدرار، بغرض العمل فقط، خلافا لياسين. يقول إنه يسعى إلى كسب مورد مالي يكفيه لإعالة أسرة من 10 أفراد.
احتراف محمد لبيع الشاي بدأ قبل 9 سنوات، إثر توقفه عن الدراسة في سن مبكرة، وبعد أعوام قضاها متنقلا بين ورشات البناء، حيث كان يعمل مساعد بنَّاء.
بحسب محمد، فإن ما ظل يكسبه طيلة 12 سنة عمل يتراوح، في كل يوم، ما بين 15 إلى 35 دولارا، يدفع جزءا من دخله للبلدية، مشاركة مع زملائه، لأداء سومة تأجير مساحة أرضية نصبوا عليها خيمة مخصصة لإعداد الشاي والمبيت.
يحرص محمد، رفقة بقية باعة الشاي المتجولين، على ارتداء الزي التقليدي الصحراوي الذي يقيهم من أشعة الشمس، كما أنه رمز لهويتهم، ووسيلة إثبات أن الشاي الذي يبيعونه صحراوي بامتياز.
مشقة ومنافسة
على غرار محمد، يعيل العديد من باعة الشاي القادمون من المناطق الجزائرية الجنوبية، عبر هذا النشاط، أسرهم.
هذا هو وضع بلقاسم الذي تنقل من جنوب البلاد إلى شمالها لتوزيع شاي يمكنه من التكفل بعائلة تضم 14 فردا، بالتعاون مع 3 من أشقائه .
بلقاسم، ذو الـ27 سنة، قدم من منطقة طلمين، التابعة لولاية أدرار، وقد حل بشاطئ "صابلات" لأول مرة، بعد مواسم صيف سابقة قضاها في شواطئ ولاية وهران.
"هذه المهنة شاقة، أضطر لقطع مسافة تفوق 40 كيلومترا مشيا على الأقدام يوميا، فضلا عن المنافسة من قبل أبناء المدينة الذين تعلموا وصفة إعداد الشاي"، يقول بلقاسم.
بيع الشاي، كما يوضح بلقاسم لـ"أصوات مغاربية"، مهنة متعبة، لكنها تذر أرباحا كبيرة. تتطلب هذه الحرفة، وفق بلقاسم، الكثير من الصبر، وبعض المهارات في إعداد الشاي، إضافة إلى طرق التعامل اللائق مع الزبائن، لا سيما الاحتفاظ بابتسامة دائمة.
يقتسم بلقاسم نصف ما يربحه مع صاحب مطعم، بناء على اتفاق مسبق يقضي باقتسام المداخيل اليومية، مقابل توفير المبيت والأكل والمعدات لإعداد الشاي.
أمام هذا الشاب تحدٍ هذه السنة، يتمثل في توفير مبلغ مالي يسمح له بتغطية مصاريف زواجه المقرر بعد عيد الفطر.
يقول بلقاسم إنه يريد، بعد الزواج والاستقلال ماليا، تأسيس أسرة مع شريكة حياته.
المصدر: أصوات مغاربية