تتزين السهرات الرمضانية النسائية في البيوت الجزائرية العاصمية بقعدة "لعبة البوقالات"، وهي عادة تراثية تزداد شعبيتها كلما حل شهر الصيام.
وتسمى "جلسة البوقالات" بـ"التقصرة" أو "التقصيرة"، بحسب أستاذ علم الاجتماع بجامعة وهران، عمار يزلي، والقصد منها التقصير من طول الليل.
معاني ودلالات
تتفنّن النساء خلال جلسات "البوقالات" في ترديد مقطع يشبه الموشّحات الأندلسية "يا ليل طوّل أو لا تطول.. لابد لي أن أسهرك"، ويرى يزلي أن هذه المقاطع الغنائية تهدف إلى خلق أجواء مرح وفكاهة بين أفراد الأسرة والأصدقاء.
في سهرة رمضانية مميزة😍وفي جو جزائري تقليدي من البوقالات والزغاريد 📸تاقلت ازيائنا😌وأرقى عاداتنا🎂🍰#السياحه_في_الجزاير🇩🇿#Dubai #Ksa #Algerie pic.twitter.com/Pqc4sLa3oj
— 🌸Amel😌Miro🌸 (@Amel_Miro) 19 juin 2017
وبحسب المتحدث ذاته فـ"البوقالات" هي لعبة حظ وتفاؤل ارتبطت بمواسم الأفراح، مضيفا أنها "تراث شفهي نسائي عاصمي ذو أصول أندلسية".
وأشار عمار يزلي إلى أن "البوقال" هو اسم مشتق من كلمة فرنسية تعني الإناء الزجاجي "bocal"، توضع بداخله وريقات صغير مطوية مكتوب عليها أمثال شعبية، تقوم النساء بسحبها كل امرأة حسب دورها وتقدمها لمسيرة الجلسة التي تقوم وتقرأ بصوت مسموع، فتثير نقاشا مرحا بين النساء.
أما الباحث بمختبر جمع وتوثيق الشعر الشعبي الجزائري بجامعة تلمسان، الدكتور بوزينة إسماعيل، فيعرف البوقالات، بأنها مصطلح يُطلق على إناء ذي شكل متناسق مصنوع من الطين، يُملأ بالماء أو الحليب، ضمن التسميات الخاصة بالأواني التقليدية.
البوقالات تتسلى بيها النساء في السهرة هي عبارة عن كلام جميل موزون نعتبره كفأل خير 😍😍 #احباب_سهيله_برمضان_الجزاير pic.twitter.com/ZH7I5ka6Fw
— 🌸Yasmine🌸 🇩🇿 (@Yassoujasm1) 6 juin 2016
ويوضّح بوزوينة، أن مصطلح البوقالات يُطلق على الأشعار الشعبية، التي تشكل أساس لعبة البوقالة المنتشرة في الأوساط النسوية التي تمارس في السهرات الرمضانية خصوصا.
ويؤكد الباحث، أن البوقالة مصطلح يعني الشعر، والإناء المستخدم في اللعبة، للتعرف على طالع الشخص الذي عقد النية خلال اللعبة.
هذه مراحل اللعبة
البوقالة، لعبة لها مراحلها مثلما يؤكد ذلك الباحثون في علم الاجتماع، فهي حسب بوزوينة إسماعيل، في مقالة مطولة نشرها حول هذا الموضوع بمجلة الانسان والمجال، تمر بمرحلة "التبخيرة"، "حيث يتم إحضار البوقالة، وماء سبعة منابع، سبعة خيوط من ملابس أرملة، قطع حلي، موقد تقليدي، فحم، بخور، شاشية شاب أعزب تغطى بها البوقالة، عيدان سبعة أبواب خشبية تطل على الخارج".
مع البوقالات لي تان حاضرة في اعراسنا وسهراتنا #تصديره_العروس_الجزايريه pic.twitter.com/qypSB9vPlt
— اريام (@drtIWZyF2HBtpfN) 6 décembre 2016
ويمضي الباحث في سرد مراحل لعبة البوقالة، قائلا، أنه يتوجب وضع فوهة البوقال فوق الموقد، الذي رمي عليه البخور، مشيرا إلى أن هذا يرافقه ترديد افتتاحية البوقالة ومطلعها.. 'بخرناك بالجاوي جيبلنا لخبار من القهاوي'
أمنيات
أما أستاذ الأدب واللغة أحسن ثليلاني من جامعة سكيكدة شرق الجزائر، فيشرح مقتضيات لعبة البوقالة بأن يوضع بداخل القلة كمية من الماء من "سبع حنفيات، مشيرا إلى ضرورة أن تتحلق النسوة المشاركات في اللعبة، وأن تضع كل واحدة منهن خاتما أو أية حلية أخرى"، لتبدأ اللعبة باستهلال يشبه الموشح الديني..
وأضاف أحسن ثليلاني، في بحث بعنوان تجربة المرأة الجزائرية في كتابة المسرح، أن القلة تُرفع على الأصابع من قبل امرأتين وتبدأ اللعبة، حيث تُسأل القلة عن أمر ما، وبعد الانتهاء من الأسئلة، تشرع المشرفة في تلاوة البوقالات.
ويشرح الكاتب باقي التفاصيل مشيرا إلى أنه مع كل بوقالة تدخل يدها في القلة، وتخرج حلية فتكون صاحبتها هي المعنية بدلالات تلك الأشعار التي نوتها على شخص معين من الأهل أو الأقارب أو الأحباب بعد أن تكون قد عقدت عقدة في منديلها أو حزامها.
من وحي الأندلس
ويعود أستاذ علم الاجتماع، عمار يزلي إلى أصول هذه اللعبة مؤكدا أنها ممارسة نسوية حضرية أندلسية، لهذا فهي تتميز بالجلسة الارستقراطية، من حيث "اللباس، والاحتفال، وبقول الشعر والأمثلة والحكم مكتوبة ومقروءة على مسامع النسوة الحاضرات.
ويخلص يزلي خلال حديثه عن لعبة البوقالات، إلى أن كل هذه المظاهر تؤكد الطابع الفني الجمالي للذوق الأندلسي، والحياة التي كانت عليها نساء القصور والحريم.
المصدر: أصوات مغاربية