تناقش الجمعية الوطنية في باريس (البرلمان الفرنسي)، اليوم الخميس، مشروع قانون "اعتذار" من الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال استمعار الجزائر وعاشوا "مأساة" في فرنسا بعد نهاية الحرب.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، الأربعاء، إن ذلك المشروع هو "ترجمة قانونية لخطاب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ألقاه في 20 سبتمبر في قصر الإليزيه في حضور ممثلين للحركيين، ويمثّل اختبارا لضمير فرنسا في مواجهة مأساة الحركيين".
الحركى.. ملف في جو متوتّر
ويأتي هذا القانون في جو من "التوتّر المتصاعد" في العلاقات الفرنسية الجزائرية، منذ تصريحات ماكرون المسيئة للجزائر مطلع أكتوبر الماضي، والتي ردت عليها الجزائر باستدعاء سفيرها من باريس ومنع الطيران العسكري الفرنسي من العبور عبر الأجواء الجزائرية نحو مالي، ومنذ ذلك الحين لم تعد العلاقات إلى ما كانت عليه.
وفي الجزائر جرى قبل قرابة شهر إحياء مناقشة "مشروع قانون تجريم الاستعمار" في البرلمان، الذي جاء -وفق أصحابه - ردّا على قانون تمجيد الاستعمار، الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي العام 2005.
ورغم أن فرنسا تخرج في كل مرة ورقة الحركيين حينما تتوتر العلاقات مع الجزائر، إلا أن الأخيرة تعتبر هذا الملف "فرنسيا خالصا"، ولا تطرحه البتّة ضمن أوراق ملف الذاكرة المتمثلة في الأرشيف وجماجم الثوار والتفجيرات النووية. ويطالب الجزائريون الطرف الفرنسي بالاعتراف وبالاعتذار عن الفترة الاستعمارية وهو ما ترفضه فرنسا.
وتؤشر هذه المعطيات على أن موضوع الذاكرة، الذي بدأه البلدان قبل أشهر وتشكلت من أجله لجنتان في البلدين أشرف عليهما الرئيسان تبون وماكرون، قد تحول من "مصالحة الذاكرة" (مثلما سماه الرئيس الفرنسي) إلى "حرب ذاكرة"، حيث "يتراشق" الطرفان اليوم بما يقولان عنه إنه "ماض مشترك" بينهما.
سفيان: الحركى ورقة انتخابية
وبهذا الخصوص يقول السياسي الجزائري جيلالي سفيان إن الجزائر "تحوّلت هذه الأيام إلى موضوع ثابت في أحاديث السياسيين الفرنسيين قبيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ومن الطبيعي الحديث عن الحركى كونهم جزءا من تاريخ البلدين والهدف هو ربح أصوات شريحة من الناخبين".
وبرأي سفيان، الذي يترأس حزب "جيل جديد"، فإن الأمر يتعلق بـ"ملف مزايدة بين السياسيين الفرنسيين، خصوصا خصوم الرئيس ماكرون، من أجل ربح أصوات الفرنسيين وتحديدا أصوات اليمين واليمين المتطرف المعادي للجزائر ولأية مصالحة بين البلدين، وهو التيار الذي عاد بقوة إلى المشهد السياسي هناك في وقت يكاد يندثر الاشتراكيون واليساريون في تلك البلاد".
ويستبعد سفيان في حديثه مع "أصوات مغاربية" أن يتحول ملف الذاكرة إلى ميدان "حرب" بين البلدين، ويقول بأن الخطاب الرائج هذه الأيام في فرنسا هو خطاب ظرفي "سيختفي بعد الرئاسيات، لأن المصالح الاقتصادية والمادية الفرنسية عموما في الجزائر أكبر من هذا الخطاب، مثلما أن المصالح الجزائر في فرنسا أكبر من ذلك".
خميلي: الحركى ملف فرنسي
في المقابل قال أستاذ التاريخ في جامعة سطيف (شرق)، العكروت خميلي إن ملف الذاكرة خرج من أيدي الأكاديميين وبات يوظف سياسيا، وفرنسا تريد استغلال ملف الحركى لإدراجه ضمن ملفات الذاكرة للضغط على الجزائر وتحقيق مكاسب به، وهو غير مطروح جزائريا أبدا بل هو ملف فرنسي خالص".
ويضيف خميلي متحدثا لـ"أصوات مغاربية" بأن "الطرف الفرنسي يرى بأن هؤلاء الحركى جزائريون تعاونوا مع فرنسا، لكن الجزائر تراهم أقصوا أنفسهم من المجموعة الوطنية عندما انضموا إلى فرنسا ضد ثورتهم ودولتهم، وعليه فنحن لن نطلب العفو من الحركى، نحن أمام وجهتي نظر مختلفتين تماما تجاه هذه القضية، وقضية الجزائر هي الذاكرة ممثلة في ملفاتها الواضحة وهي الأرشيف والاعتراف والاعتذار والتفجيرات النووية".
وتمنّى خميلي أن "يستصدر البرلمانيون قانون تجريم الاستعمار باعتبار أن أوانه قد حان، في وقت يرى الجانب الفرنسي في ملف الذاكرة ملفا سياسيا ومصلحيا لا عواطف فيه، وهذا الذي يجب أن يشتغل عليه الجزائريون أيضا خصوصا وأن لديهم كل المعطيات التي تدعم وجهة نظرهم".
- المصدر: أصوات مغاربية