الجزائر

أي مستقبل للعمل السياسي بالجزائر بعد حلّ وتعليق فعاليات حزبية وجمعوية؟

02 فبراير 2022

شهدت الساحة السياسية في الجزائر، خلال الآونة الأخيرة، عدة إجراءات استهدفت أحزابا سياسية ومنظمات من المجتمع المدني، وقالت وزارة الداخلية إن تلك الإجراءات قانونية، بينما اعتبرتها المعارضة انتهاكا للحريات وتضييقا على العمل السياسي.

وكان مجلس الدولة في الجزائر  أصدر، الشهر الماضي، حكما يقضي بتعليق نشاط حزب العمال الاشتراكي المعارض.

كما أدانت محكمة باب الواد بالجزائر العاصمة، في 9 يناير الماضي، المنسق الوطني للحركة الديمقراطية والاجتماعية، فتحي غراس، بعامين حبسا نافذا وغرامة قدرها 200 ألف دينار  (نحو 1430 دولار أميركي).

وسبق لوزارة الداخلية أن وجهت تحذيرا لحزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (الأرسيدي، معارض)، ورئيسه محسن بلعباس، بخصوص "الاستمرار في استعمال مقر الحزب لنشاطات خارجة عن الأهداف المسطرة له في قانونه الأساسي".

وبتاريخ 13 أكتوبر 2021،  قضت محكمة إدارية بالعاصمة، بحل جمعية "راج"، المعروفة بقربها من جبهة القوى الاشتراكية (معارضة)، بعد أن اتهمتها وزارة الداخلية بالمشاركة في أنشطة "متناقضة مع تلك المنصوص عليها عند تأسيسها"، و"إجراء أنشطة مع أجانب".

وفتحت هذه التطورات نقاشا بشأن مستقبل العمل السياسي في الجزائر، حيث تتباين الآراء بين من يعتبر إجراءات الحكومة تضييقا على الممارسة السياسية، وبين من يعتبرها تطبيقا لقانون الأحزاب الذي "تجاهلته" المعارضة.

توجس من عودة الحراك الشعبي

وتعليقا على هذه التطورات التي مست نشاط أحزاب سياسية وجمعيات مدنية، يعتقد أستاذ العلوم السياسية، إسماعيل معراف أن السلطة "تستبق" التطورات السياسية المرتقبة في البلاد، وتماس "التضييق" على النشاط الحزبي المعارض، لأنها "تخشى من عودة الحراك الشعبي" قبيل ذكراه الثالثة في 22 فبراير.

وحسب معراف، فإن الحياة السياسية في البلاد "تتميز منذ مدة بالجمود"، معتبرا أن السلطة تبحث في هذه المرحلة عن كل أسباب الاستقرار "بما في ذلك اللجوء لقرارات غير شرعية، بالتضييق على معارضيها".

ويفسر المتحدث ذلك بـ"توجس السلطة من انعكاسات أي انفتاح سياسي أو مساحة حرية، يمكن أن تسمح بها للمعارضة السياسية والنشطاء".

ويرى المتحدث أن السلطة تسعى لمقاومة كل العوامل التي يمكن أن تؤدي لعودة الحراك الشعبي على ضوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

تفسيرات متعددة للقوانين

في المقابل، أكد الرئيس عبد المجيد تبون في خطاب يوم 18 يناير الجاري أن "التعليق السياسي وحرية التعبير مضمونان، ولكن بأدب، لأنه لا علاقة لهما بالسب والشتم، وكيل الأكاذيب ونشر الباطل ومحاولات تركيع الدولة بأساليب ملتوية".

لكن  المحلل السياسي، فاتح بن حمو، يرى أن هناك أكثر من تفسير للقوانين المعتمدة في تسيير ملف الأحزاب وحرية التعبير والنشاط السياسي، مشيرا إلى أن العديد من الأحزاب لا تملك سوى الاعتماد.

ويدعو المتحدث إلى نقاش وطني حول الحريات وقوانين الأحزاب السياسية في الجزائر لوضع قانون توافقي.

 كما يعتبر بن حمو أن بعض الأحزاب "ساهمت فعلا في تمييع النشاط الحزبي والجمعوي"، في الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن أحزابا "تستغل الاعتماد القانوني لتوفير مظلة لنشاط معارضين لها"، ما يدفعها لاتخاذ مثل هذه الإجراءات التي تصل حد الحل والغلق ومنع النشاط السياسي.

ضوابط قانون الأحزاب السياسية

ومن جانبه، يشير المحلل السياسي عبد الرحمان بن شريط، إلى أن السلطات تفادت مثل هذه الإجراءات خلال العشريتين الماضيتن، واعتبر التطورات الأخيرة سابقة في العرف السياسي بالجزائر،  إذا ما تم استثناء حل "الجبهة الإسلامية للإنفاذ" في مطلع التسعينيات.

ويعتقد بن شريط أنه يتوجب "التريث" في الحكم على قرارات الحكومة بشأن القرارات الصادرة بحق هذه الأحزاب التي تفرض عليها القوانين ضوابطا "تلزمها بعدم تجاهلها أو تجاوزها، والتقيد بالخطوط الحمراء التي رسمها قانون الأحزاب".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

خطر الإرهاب يتهدد منطقة الساحل وضمنها الجزائر
خطر الإرهاب يتهدد منطقة الساحل وضمنها الجزائر

تمر الإثنين 16 سبتمبر 25 سنة على "استفتاء الوئام المدني" الذي أقرته الجزائر "آلية للمصالحة" مع الجماعات المتشددة.

وتتزامن الذكرى مع فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية ثانية، وهو الذي كان قد أمر الحكومة بـ"إعادة النظر في قانون 'لم الشمل' لفائدة الأشخاص الذين سلموا أنفسهم"، في أغسطس 2022، إلا أن القانون لم الجديد يصدر بعد.

وعول الرئيس الجزائري على قانون "لم الشمل" لتحديد طرق التعامل مع المتشددين الذين يسلمون أنفسهم، وذلك بعد انقضاء الحيز الزمني لتطبيق قانون "الوئام المدني"، وفق بيان لمجلس الوزراء آنذاك.

وسبق لتبون أن أعلن في لقاء دوري مع وسائل إعلام محلية نهاية يوليو 2022 أن هذه المبادرة "ستكون امتدادا لقوانين الرحمة والوئام المدني والمصالحة الوطنية، وستشمل كل من تم تغليطهم وأدركوا بعدها أن مستقبلهم مع الجزائر، وليس مع بعض الأطراف الخارجية".

وتعود قوانين المصالحة الوطنية في الجزائر إلى عهد الرئيس الأسبق ليامين زروال الذي أصدر قانون "الرحمة" في فبراير 1995، ثم قانون "الوئام المدني" الذي تبناه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعرضه لاستفتاء 16 سبتمبر 1999، تلاه ميثاق "السلم والمصالحة" في سبتمبر 2005. وشجعت هذه القوانين مئات المتشددين المسلحين على الاستسلام والتخلي الطوعي عن أسلحتهم.

ومع تزايد أعداد المتشددين الذين يتم توقيفهم من قبل وحدات الجيش الجزائري (تحييد 30 مسلحا خلال السداسي الأول من 2024)، أو الذين يسلمون أنفسهم، تثار تساؤلات بشأن الإطار القانوني للتعامل معهم، بين من يرى إمكانية إصدار قانون جديد ينظم الأمر، وبين من يعتبر أن التغييرات السياسية والأمنية "طوت صفحة الوئام المدني والمصالحة مع المتشددين".

"روح المصالحة" 

وتعليقا على هذا النقاش، يؤكد الحقوقي فاروق قسنطيني أن "روح المصالح باقية في الجزائر"، لافتا في حديثه لـ"أصوات مغاربية" إلى "أهمية الحلول السلمية في معالجة قضايا الإرهاب والتشدد الديني بالجزائر".

ويتوقع قسنطيني إمكانية أن تلجأ الحكومة إلى "عرض مشروع قانون تكميلي للوئام المدني والمصالحة من أجل استكمال ملف العفو المشروط الذي تبنته الدولة سابقا".

وأشار المتحدث إلى أن "نجاح مشاريع المصالحة السابقة في حقن الدماء بالجزائر، سيكون حافزا أمام الرئيس عبد المجيد تبون لعرض مشروع جديد للتكفل بالمسلحين الذين سلموا أنفسهم خلال السنوات الأخيرة".

"صفحة مطوية"

ويرى المحلل السياسي، فاتح بن حمو، أن التعامل مع الحالات الجديدة وفق قانون الوئام المدني "لا يبدو ممكنا اليوم، بحكم أن هذا القانون يعتبر صفحة مطوية في الجزائر".

ويتابع بن حمو قائلا لـ"أصوات مغاربية" إن قانون الوئام المدني "حقق جزءا كبيرا من أهدافه قبل 25 سنة من اليوم، ولا يمكن إعادة العمل به لاختلاف الظروف والأولويات".

ويعتقد المتحدث أن إمكانية صدور قانون للمصالحة "أمر لن يتحقق على الأقل في المديين القريب والمتوسط، بحكم أن الأولوية الحالية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي يعمل عليها الجميع، بينما تتواصل عمليات مكافحة الإرهاب في شقها الأمني".

 

المصدر: أصوات مغاربية