يتهم نشطاء سياسيون وحقوقيون بالجزائر السلطات بمحاولة منع إحياء الذكرى الثالثة للحراك الشعبي من خلال العودة إلى "مسلسل الاعتقالات"، في الوقت الذي تؤكد فيه السلطة أن جميع الموقوفين من قبل مصالح الأمن، مؤخرا، ارتكبوا "تجاوزات في الحق العام".
وتحيي الجزائر الذكرى الثالثة للحراك الشعبي يوم 22 فبراير المقبل، وهي الانتفاضة الشعبية التي انطلقت سنة 2019، وأدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد فشل مشروعه في الترشح إلى عهدة رئاسية خامسة.
وأصدرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قائمة لنشطاء تم اعتقالهم مؤخرا عبر العديد من الولايات، مع العلم أن منهم من تم وضعه في الحبس المؤقت للمرة الثانية، كما هو الأمر بالنسبة للناشط الإعلامي عبد الكريم زغيلش، المتهم بـ"الإشادة بالأعمال الإرهابية"، أو النقابية دليلة توات، من ولاية مستغانم، المتابعة بجنح تتعلق بـ"التحريض على التجمهر" ، "إهانة هيئة نظامية" و"عرض منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية" .
توتر جديد
وتعيش الجزائر على وقع توتر جديد في الأيام الاخيرة بناء على المعلومات التي سربها محامون تؤكد شروع أزيد من 40 معتقلا في الإضراب عن الطعام.
وعبرت السلطات في الجزائر عن انزعاجها من انتشار هذا الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل السلطات القضائية تصدر بيانا رسميا تصف ما تم تسريبه بـ "الإشاعات المغرضة"، مهددة بالمتابعات القضائية في حق الجهات التي نشرت هذا الخبر.
وشهد العام الماضي عودة المسيرات والحركات الاحتجاجية في بعض المدن الجزائرية تزامنا مع الذكرى الثانية للحراك الشعبي، وذلك بعد توقف استمر أزيد من عام بسبب وباء كورونا، لكن السلطات قررت بعدها منع جميع أشكال التظاهر الشعبي بتعليمة صادرة من وزارة الداخلية.
ولا يخفي بعض الحقوقيين في الجزائر نيتهم في إحياء ذكرى الحراك الشعبي هذه المرة، على اعتبار أن هذا "الحدث التاريخي" أضحى مكرسا في الدستور الأخير بأمر من الرئيس عبد المجيد تبون.
"احتكار" الحراك
ويقول نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، سعيد صالحي، إن "العديد من النشطاء يرغبون في إحياء هذه الذكرى بهدف إحياء مشروع التغيير الذي نادى به أغلب الجزائريين شهر فبراير 2019".
لكن المتحدث يؤكد، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "السلطة التي قررت احتكار الحراك الشعبي واستغلاله سياسيا ترفض السماح للجماهير بالتعبير عن مواقفهم بكل حرية"، مشيرا إلى "عودة الاعتقالات واستهداف بعض النشطاء المعروفين والبارزين في المدة الأخيرة يدخل في هذا الإطار".
وتساءل المتحدث عن "خلفيات التناقض في موقف السلطات الجزائرية"، قائلا "في الوقت الذي قررت تكريسه في الدستور بأمر رئاسي نجدها تحرم الشعب من الاحتفال به".
وأفاد صالحي بأن "النية الحقيقية للنظام الحالي انفضحت مع مرور الوقت، فهو استغلال الحراك الشعبي من أجل التخلص من نظام الرئيس السابق، معتقدة أن الدور الأساسي للانتفاضة الشعبية انتهت بمجرد تحقيق هذا الهدف".
ويضيف المسؤول في الرابطة الجزائرية لحقوقي الإنسان: "مبررات مشروع التغيير الذي نادي به الجزائريون في فباير 2019 تبقى قائمة في الساحة المحلية بسبب استمرار نفس النظام الذي كان يحكم البلاد من قبل، بدليل عودة نفس الوجوه التي كانت تشتغل مع الرئيس السابق، بمن فيهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون".
دولة المؤسسات
مقابل ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية، رضوان بوهيدل، أن "الحراك الشعبي في الجزائر انتهت مهمته الأساسية بعدما ساهم في إنقاذ الدولة الجزائرية من الانهيار في مرحلة وما قبل 22 فبراير 2019".
ويشير المتحدث، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن"الدولة الجزائرية عملت منذ البداية على مرافقة الحراك الشعبي، فلم تقف في وجهه أو تواجهه كما حصل في بعض البلدان الأخرى"، مؤكدا أنها "حققت أهم مطلب نادى به الحراك والمتمثل في إسقاط العهدة الخامسة للرئيس، وهو أمر لم يكن سهلا".
ورفض المصدر ذاته الحديث عن قضية الاعتقالات التي حدثت مؤخرا، مشددا على أن ذلك "يعتبر من صلاحيات مصالح العدالة التي ينبغي أن تعمل بعيدا عن أية ضغوطات مهما كان مصدرها".
ويتهم بوهيدل أطرافا يقول إنها "حاولت منذ البداية اختراق الحراك الشعبي وجره إلى وجهة مجهولة، وهو الأمر الذي تفطن له الجزائريون مع مرور الوقت".
ويضيف "نفس الجهات تحاول حاليا ركوب موجة الحراك مرة أخرى من خلال السعي لإحياء الذكرى وفق أجندة سياسية معينة، الهدف منها تكسير سيرورة التحول الديمقراطي والمؤسساتي التي عرفته البلاد في عهد الرئيس عبد المجيد تبون".
وأفاد أستاذ العلوم السياسية بأن "الضغط الذي تقوم به هذه الأطراف في الظرف الراهن هو جزء من مشروع الانتقال الديقمراطي الذي تسعى لفرضه على الشعب الجزائري دون احترام لأدني أبجديات العمل الديمقراطي أو لرغبة أولئك المواطنين الذين فضلوا الصندوق لإعادة بناء مؤسسات الدولة".
المصدر: أصوات مغاربية