بقلم رياض عصمت
بدأت سلسلة أفلام كوكب القرود مع فيلم "كوكب القرود" (1968) من إخراج فرانكلين ج. شافنر وبطولة تشارلتون هستون وكيم هنتر، بينما لعب رودي ماكدوال دور القرد العاقل، ولقي الفيلم آنذاك – رغم بدائية صنعته التقنية – تقييماً عالياً ونجاجاً جماهيرياً كاسحاً. تبع ذلك عدة أفلام ومسلسلات تلفزيونية لم تحظ بنجاح يذكر. أما الممثل الذي لعب دور القرد الناطق بلغة البشر في الأجزاء الثلاثة للسلسلة الجديدة، فهو الممثل الأميركي ذو الأصل العراقي آندي سركيس. اللافت للنظر في هذه الأفلام الثلاثة تطور تقنية كومبيوترية تحول تعابير الممثلين إلى تعابير وانفعالات ترتسم على وجوه القردة جميعاً، وبالأخص زعيمها القرد "قيصر".
هل يستطيع القرد الذكي العاقل قيصر أن يوقف وصحبه ذلك الكولونيل المنشق المجنون ورجاله المتمردين الذين يودون إفناء جنس القردة برمته؟ هل سيحقق قيصر انتقامه ممن أزهق أرواح معظم أسرته غدراً وغيلة؟ هوس الكولونيل بالقتل ناجم عن عقدة سببها وباء تنتشر عدواه إلى البشر فيحرمهم من القدرة على الكلام بحيث يغمغمون كالقردة، كما حدث مع ابنه الشاب الذي أقدم على قتله بيده. يتحصن هذا الكولونيل العنصري في معسكر على الحدود، احتجز فيه رهائن عديدة من القرود، مصمماً على مواجهة قوات بشرية كبيرة تزحف لوقف عصيانه الجنوني وتهديده للسلام مع القردة المسالمين. يرافق قيصر وصحبه خلال رحلتهم طفلة بكماء وقرد ناجٍ من حديقة الحيوان، لكن قيصر ما أن يبلغ معسكر الكولونيل حتى يقع في الأسر، ويتعرض لأبشع أنواع التعذيب، دون أن تنكسر إرادته. تنجح خطة رفاق قيصر في إنقاذه، لكنه يصمم على عدم الهرب قبل أن يصفي حسابه مع الكولونيل المجنون. لدهشته الشديدة، يجد قيصر الكولونيل ملطخ الفم بالدماء وهو يغمغم بكلام غير مفهوم كالقردة، إذ أن عدوى الوباء انتقلت إليه من دمية الطفلة البكماء التي عثر عليها، فأصيب بالمرض الذي لطالما خشيه وتجنبه. ينتحر الكولونيل بمسدسه، في حين تهاجم قوات البشر الكبيرة جنوده، الذين يطلقون النار بوحشية على القرود الهاربين، إلى أن يفجِّر قيصر المكان بأكمله ويقضي عليهم. في الختام، نرى قيصر وهو في النزع الأخير يسلِّم صديقه الحكيم موريس زعامة القبيلة بعد أن أنهى واجبه على خير ما يرام في حماية قومه وإنقاذهم من الكولونيل العنصري ورجاله المتطرفين.
أسهم المخرج مات ريفز في كتابة سيناريو فيلم "حرب من أجل كوكب القرود" بالتعاون مع الكاتب مارك بومباك، اعتماداً على الشخصيات التي ابتدعها ريك جافا وآماندا سيلفر، والرواية التي ألفها بيير بول. قام بتصوير الفيلم مايكل سيريسين بمهارة شديدة، أضفت عليها مهارة المونتيرين وليام هوي وستان سالفاس مزيداً من الجماليات والإيقاع السريع الذي يحبس الأنفاس، بينما قام بتأليف الموسيقا التصويرية الملحن القدير مايكل جياكشينو. اعتبر الفيلم الثالث من السلسلة الجديدة عن "كوكب القرود" بإجماع النقاد أفضل أفلام هذه السلسلة بموضوعه وإخراجه وتقنياته. صحيح أنه سبق للمخرج تيم برتون أن قدم فيلم "كوكب القرود" (2001) بأسلوبه الخاص، لكن ذلك الفيلم لم ينل تقديراً سوى 5.7، بينما نال الجزءان الأول والثاني من السلسلة الأحدث 7.6، سواء "نشأة كوكب القرود" (2011) الذي أخرجه روبرت وايت، أم "فجر كوكب القرود" (2014) الذي أخرجه مات ريفز.
الواضح أن الجزء الثالث "حرب من أجل كوكب القرود" (2017) فاق الجزئين السابقين سواء في تقييم النقاد أم الجمهور، ذلك لأن الفيلم الجديد يقدم قصة خيالية حافلة بالمعاني والإسقاطات المعاصرة، وهي ذات دلالات رمزية، تكرس الخير من القيم، وتشجب الشر في السلوك العنصري المقيت. بالتالي، يحمل الفيلم رسالة للبشرية في عصر عادت فيه نزعة التمييز العرقي للظهور، مما استوجب وقوف كتاب وفنانين شرفاء ضدها بقوة وصراحة، كما فعل مخرج فيلم "حرب لأجل كوكب القرود". ترى، من يُقصد بالقرود في الفيلم؟ وإلام يرمز الكولونيل المهووس بإراقة الدماء بدافع الخوف من مرض مجهول ما يلبث أن يصيبه هو نفسه ويؤدي إلى انتحاره؟ وهل هذا مصير من يهدد الأمن والسلام بحرب نابعة عن مواقف عنصرية؟ أسئلة كثيرة لا بد أن تتوارد إلى ذهن المشاهد، وأظنه سيجد إجابات متعددة عليها في ضوء أحداث عالمنا الراهن. لكن السؤال الأهم هو: هل يستحق عقلاء القرود الإبادة أم السلام؟
المصدر: موقع الحرة
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)