العلمانية تعني الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأديان واحترامها
العلمانية تعني الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأديان واحترامها | Source: Courtesy Image

بقلم د. توفيق حميد/

ينظر البعض - وإن لم يكن الكثيرون- فى عالمنا العربى والإسلامى للعلمانية (أو كما يحلو للبعض وصفها بأنها فصل الدين عن الدولة) بصورة سلبية بل ويصفون من يؤمن بها بالكفر تارة و بالزندقة تارةً أخرى.

والعجيب من أمر هؤلاء أنهم حينما يعيشون فى الغرب فإنهم أول من يتمتع بمبادئ العلمانية، والتي تجعل الدولة تعامل الأديان بصورةٍ حيادية بل والأكثر من ذلك يكونون أول من ينادون بحقوق المسلمين فى هذه الدول تبعاً لهذه المبادئ التي تساوي في الحقوق بينهم وبين أصحاب الأديان الأخرى.

فهم باختصارٍ شديد أول من يدعم العلمانية إن كانت في صالح المسلمين، وأول من يلعنها و يكفر بها إن كانت فى صالح من يخالفهم فى الفكر أو أنها ستساويهم بالأقليات التى تعيش معهم فى دولهم الإسلامية.

وأترك العنان هنا لخيالي - و لو للحظات - مع القارئ ولنتصور سوياً لو أن دولة ما ليست إسلامية منعت المسلمين من إقامة شعائرهم الدينية أو من قراءة كتابهم المقدس (كما تقوم بعض الدول الإسلامية بفعله مع الأقليات الدينية) فيا ترى ماذا كان سيحدث؟ لن أتعجب حينئذٍ إن رأيتُ مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من المسلمين ينتفضون فى أقصاء الأرض وأدناها ليطالبوا بتطبيق العلمانية فى هذه الدولة لكي يحصلوا على حقوق متساوية مع غيرهم من أتباع الأديان الأخرى، ولن أتعجب إن وجدتُ الآلاف منهم يصرخون بأعلى أصواتهم فى هذه الدولة "علمانية علمانية" بدلاً من قولتهم الشهيرة: "إسلامية إسلامية".

 ونحن هنا بصدد درجة لا توصف من النفاق والتناقض الصارخ، فالأمر ليس قضية مبادئ كما يدَّعون بل قضية مصالح - فحينما تكون العلمانية فى صالح المسلمين فليس هناك أجمل ولا أروع من قيمها وإن كانت العلمانية ستعطي حقوقاً متساوية لغير المسلمين فى الجتمعات الإسلامية "فتباً لهذه العلمانية" - والتي غالباً ما ينعتونها فى هذه الحالة بأنها العدو الأول للإسلام والمسلمين.

ويا له من تناقض وشيزوفرينيا فكرية تحتاج إلى علاج.

و الآن أتطرق لمحور - أو بُعْد - آخر لمسألة العلمانية و الإسلام.

 فهل فعلاً لا يمكن أن يتعايش الإسلام مع العلمانية أم من الممكن أن يتعايشا؟

 إن إعادة صياغة وتعريف بعض المفاهيم قد يسمح بذلك التعايش المنشود إن يتم. 
فمثلاً لابد من إيضاح أن فصل الدين عن الدولة أو ما يسمى بالعلمانية لا يعني إلغاء الدين أو محاربته، فالأديان موجودة وتمارس فى جميع الدول العلمانية كما ذكرنا. فمن حق الإنسان فى ظل العلمانية أن يعبد ربه كيفما يشاء ولكن ليس من حقه إجبار باقي المجتمع على مفاهيمه الدينية.

وفصل الدين عن الدولة هو مفهوم قد يتفق مع بعض المفاهيم للقرآن- إن تم تجديد الفهم الديني بصورة تتفق مع مبادئ العدل والمساواة بين البشر.

فعلى سبيل المثال، إن الدولة من حقها إجبار الناس على مبادئها فى حين أن القرآن يرفض الإجبار والإكراه بصورة مطلقة. والآيات الداعمة لذلك واضحة وجلية، (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) و(وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ) و(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ).

وبالإضافة إلى ذلك، فإن أمور الدين لها مفاهيم مختلفة بين الفقهاء وعلماء الدين وبين الطوائف والجماعات المتناحرة باسم الدين. فمن ياترى هو صاحب الحق فيهم ليفرض مفهومه الديني على الآخرين؟ وهل أخذ من الله تفويضاً - ولديه دليل على ذلك - بأن مفهومه للدين هو المفهوم الصحيح وأن من حقه إجبار الآخرين عليه؟

وأيضاً فإن إيقاف العمل ببعض العقوبات والحدود الوارد ذكرها فى مرحلةٍ ما من تاريخ الإسلام (و هذا ما يراه البعض كفراً) ليس بكفر على الإطلاق، بل هو مجرد مفهوم مختلف للقرآن. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن عمر بن الخطاب فى عام الرمادة أوقف العمل بما يسميه البعض "حد السرقة". فهل لابد من إعتبار عمر بن الخطاب "كافراً" لأنه فعل ذلك؟ أم نعتبره مجتهدا فهم روح الإسلام بطريقة مختلفة فى هذا الشأن واعتبر القرآن مثل المرجع الذى يؤخذ منه ما يناسب العصر والظروف؟ (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) فهناك تبعاً لهذه الآية "الأحسن" - وبالتبعية سيكون هناك "الأقل حسناً" - داخل القرآن نفسه ألا وهو ما يتلاءم مع العصر والزمان.

والعلمانية تعني الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأديان واحترامها، فنرى مثلاً أن الدول العلمانية في أوروبا وأميركا تسمح ببناء مساجد للمسلمين مع أنهم أقلية عندها. ولو لم تكن هذه الدول علمانية لما سمحت ببناء هذه المساجد ولمنعت المسلمين من أداء شعائرهم. فالعلمانية ليست رفضاً للدين وإنما هي تعني العدل مع جميع المواطنين على حد السواء أياً كانت ديانتهم. ومبدأ العدل يتفق تماماً مع الآية الكريمة (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ).

 وإن أوجزنا مبادئ العلمانية فهي تشمل المبادئ الثلاثة التالية - العدل بين فئات المجتمع على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم واحترام حق الأقليات الدينية في العبادة (أو بمعنى آخر عدم استضعافهم لأنهم أقلية) وحرية العقيدة.

ومن المكن فهم القرآن الكريم بصورة تؤيد هذه المبادئ. فقد أمر القرآن كما ذكرنا أعلاه "بالعدل" واعتبر القرآن فرعون أبشع طاغية لأنه استضعف أقلية دينية كانت تعيش فى بلده وهم بني إسرائيل ولم يساو بينهم وبين باقي المجتمع حينذاك، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ) وأقر القرآن أيضاً مبدأ حرية العقيدة (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ).

ويا ليت أصحاب الأصوات التي ترفض العلمانية بحجة أنها تتعارض مع الدين يدركون أنهم يتكلمون فقط عن مفهومهم الخاص أو عن مفهوم بعض الفقهاء عن الدين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات