Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

حسين عبدالحسين/

في مصر تفتحت ورود الحرية معلنة حلول "الربيع العربي". وفي مصر أيضا ذبلت الورود وماتت. أطلق عسكر مصر النار على الحرية في رابعة، وفي غير رابعة، ومات العشاق في أحضان عشاقهم. ربيع العرب صار خريفا، واستعادت مصر فرعونها، الحاكم الأبدي. خلع عبد الفتاح السيسي زيّه العسكري، وألبسه لبرلمان وهمي صادق على تعديل الدستور على قياس القائد الخالد، ورمى حذاؤه العسكري، فتلقفه مصريون وألصقوه على رؤوس عيالهم.

إنها قصة حزينة. حاول العسكري حسني مبارك توريث ابنه، فثار عليه العسكر. في واشنطن، سأل الأميركيون رئيس الأركان المصري سامي عنان إن كان الجيش قادرا على الإمساك بالأوضاع في حال رحيل مبارك، فأجاب بالإيجاب. 

تعديل السيسي للدستور للبقاء رئيسا للأبد، فإعلان دخول مصر والعرب في موسم "الخريف العربي" البارد والطويل والمظلم

​​لم يوافق مبارك على التنحي، على الرغم من ضغوط واشنطن والجيش، لكن مبارك وافق على تعيين عمر سليمان نائبا للرئيس، فأجبر الجيش نائب الرئيس على قراءة بيان استقالة باسم مبارك. ولم يتسلم نائب الرئيس الحكم مع خروج الرئيس، بل تسلمه العسكري محمد حسين طنطاوي.

لكن طنطاوي كان مسنا، وتحت ضغط أميركي، أجرى انتخابات فاز بها الإسلاميون، ووافق الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي على الدخول في حكومة محمد مرسي الإسلامية. ظنّ البعض أن مصر وصلت مرحلة من النضج السياسي يبقى فيها الجيش في الكواليس، حيث يضمن أمن الوطن وسلامته، ويفسح في المجال أمام المدنيين في التنافس والحكم.

لكن كمصر، كان الجيش يهتز وتتنافس فيه الفصائل على الزعامة والسيطرة. السيسي دخل في حكومة الإسلاميين لمصلحة مؤقتة، ثم ما لبث أن دفع مرسي للإطاحة بطنطاوي، وأطاح بعدها السيسي بمرسي، واستبد بالحكم منذ ذاك اليوم.

في مخيلة البعض أن لا بأس بالاستبداد إن كان مستنيرا، فمصر عاشت عصرا ذهبيا، في القرن التاسع عشر، تحت حكم محمد علي الكبير وابنه ابراهيم باشا، وكادت تلحق بأوروبا اقتصاديا وعسكريا.

لكن تبين فيما بعد أن نهضة محمد علي كانت بالإيجار، أي أن الرجل اشترى أساليب تنظيمية مدنية وتقنيات عسكرية من الأوروبيين، لكنه لم ينجح في إطلاق عجلة الابتكار المصرية، فانهارت النهضة مع نهاية محمد علي، بل أنها أورثت خلفاءه الخديويين من بعده ديونا ثقيلة، فباعوا قناة السويس للأوروبيين، وراحوا يحرضون على الإمبريالية لامتصاص النقمة الشعبية.

والسيسي على طراز الحكم الخديوي. يفيد من بعض التقنية الغربية، ويحتمي خلف جيشه وأسوار قصره، فيما مصر تغرق في فقرها وديونها وتلوثها. على أن الخديويين كانوا رجالات حكم، على الأقل شكلا، فيما السيسي لا يثير الإعجاب، لا في الشكل ولا المضمون، فتصريحاته تتراوح بين السطحية والإبهام، وسياساته مثلها، وهو لا تبدو عليه علامات الفطنة السياسية، وتعوزه الكاريزما. صحيح أن الاستقرار رفع من نسبة النمو الاقتصادي المصري، إلا أنه بالنظر إلى التركيبة السكانية الشابة، التي يمكنها تقديم كفاءات ويد عاملة رخيصة في الوقت نفسه، فإن الاقتصاد المصري يعمل أدنى بكثير من طاقته.

سياسة السيسي الوحيدة الثابتة هي حبه الجامح للحكام المتفردين بالسلطة على طراز نظامه، من الروسي فلاديمير بوتين إلى السوري بشار الأسد. حتى إيران، البعيدة عن مصر منذ عقود، تحسنت علاقاتها بشكل مضطرد مع القاهرة.

طريق مصر شاقة وطويلة، وما خاله العالم ضوء الحرية في نهاية النفق المظلم، تبين أنه ضوء مزيف ناجم عن الفوضى

​​وفي مخيلة البعض الآخر أن نعمة السيسي تكمن في ضمانه إبقاء الإسلاميين بعيدين عن الحكم. لكن هذا النوع من الإبعاد لا يعني ابتعاد المجتمع المصري عن مقولة أن "الإسلام هو الحل"، بل إن مصر السيسي ماضية في تطرفها ضد كل ما هو غير مسلم، فترى القضاء المصري تارة يلاحق ممثلة لفستان يظهر مفاتنها، وطورا يطارد مثليين، أو يقوم بخطوات معادية للحرية يخالها وقاية للأخلاق العامة.

أما بدائل السيسي، أي الإسلاميين، فأداؤهم أسوأ منه. السيسي يدرك ضعف مصر، ويحاول مصادقة كل حكومات العالم، من إسرائيل وإيران إلى أميركا وروسيا. أما الإسلاميين، فهم يعيشون في وهم أن مصر متفوقة لولا تآمر الآخرين عليها، وأن وظيفة مصر هي مقارعة الإمبريالية، وهو ما بدا جليا في إصرار مرسي على "الانضمام" لمجموعة "بريكس"، المناوئة لأميركا، فيما كانت حكومته تستجدي المؤسسات الدولية في الغرب للحصول على قروض لسد رمق المجاعة المصرية الدائمة.

كيف تخرج مصر من مأساتها التي تحصر خياراتها في العيش بين اثنين: طغيان العسكر ودولة "النهي عن المنكر"؟ وكيف تعود مصر رائدة في نهضة العرب، فتقدم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، بدلا من ماكينات الكفتة التي تشفي الإيدز؟

طريق مصر شاقة وطويلة، وما خاله العالم ضوء الحرية في نهاية النفق المظلم، تبين أنه ضوء مزيف ناجم عن الفوضى، وأن إمكانية تحول مصر إلى دولة ديمقراطية ما تزال متعذرة.

ثورة مصر في مطلع 2011 كانت ومضة ضوء، أما تعديل السيسي للدستور للبقاء رئيسا للأبد، فإعلان دخول مصر والعرب في موسم "الخريف العربي" البارد والطويل والمظلم.

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات