Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

مخاوف متزايدة على وضع الحريات في تونس
تونس دولة "مدنية" قبل الثورة إذا ما استثنينا التضييق السياسي وكبت الحريات زمن الرئيس بن علي

نضال منصور/

تقرير منظمة بيت الحرية "فريدم هاوس" عن حالة الحريات في العالم لعام 2018 صادم ومؤلم؛ يعترف التقرير بوضوح أن الديمقراطية في تراجع وانحسار للعام الثالث عشر على التوالي، والأهم أن الديمقراطية باتت مهددة حتى في دول كانت على الدوام تُصنف بأنها من الدول الحاضنة للحريات.

فالمؤشر يكشف عن جنوح السلطات في دول ديمقراطية نحو الاستبداد والتضييق على حقوق الإنسان، ويشير إلى أن هذه الظاهرة المقلقة والمتنامية تتعدى حدود الدول المعروفة بعدم احترام القيم الديمقراطية.

لا مفاجآت حين يكشف تقرير "فريدم هاوس" أن دولة عربية واحدة هي تونس صُنفت بأنها دولة "حرة"، في حين أن الدولة الحرة "جزئيا" ضمت لبنان والمغرب والأردن وجزر القمر، وصُنفت باقي الدول العربية في عداد الدول "غير الحرة". وحازت سوريا التي تعيش صراعا دمويا منذ سنوات على "صفر" في مؤشر الحريات.

التوزيع غير العادل للثروات والحركات الشعبوية التي تعادي الهجرة واللاجئين من أسباب تراجع الحريات

​​تصدرت كالعادة الدول الاسكندنافية مثل فنلندا والنرويج قائمة الدول الأكثر حرية وديمقراطية بعلامات كاملة 100 في المئة، تبعتها هولندا وكندا، وتليها دول أوروبية واليابان، ولم تتبوأ أميركا مرتبة متقدمة، بل على العكس وجه التقرير انتقادات شديدة لها، معتبرا أن الولايات المتحدة الأميركية ما عادت الدولة التي تقود العالم نحو الديمقراطية.

من الطبيعي عقب صدور مؤشر الحريات العالمي الذي تُطلقه "فريدم هاوس" كل عام أن يتعرض لانتقادات شديدة وتكذيب، وتسعى كثير من الحكومات خاصة في العالم العربي إلى التشكيك بصدقيته، وتذهب إلى تفنيد منهجيته والتعرض لحياديته؛ ورغم هذا الهجوم الصارخ ظل هذا المؤشر مقلقا لأكثر الدول استبدادا، تترقبه بحذر، وتتمنى أن تكون الانتقادات لها أقل حدة.

وبقي التقرير الذي يصدر منذ خمسينيات القرن الماضي مرجعية هامة لمعرفة واقع الحريات والديمقراطية في كافة أرجاء المعمورة، بتفاصيله الموجعة استنادا إلى شرعة حقوق الإنسان.

التقرير في واقع الحال هو "جردة حساب" دولية لحالة الحريات، ولهذا فإن الخلاصات والاستنتاجات التي يقدمها تُعطي صورة "بانورامية" للمشهد وخاصة الانتكاسات والتحديات، فالثابت من التقرير وهي الحقيقة الأولى أن حالة الحريات تدعو للتشاؤم، والديمقراطية في تراجع يعني "إلى الخلف سر"، وأن حالة التقدم والازدهار الديمقراطي بعد الحرب الباردة قد توقفت، والديمقراطية "اهتزت" كما وصفها التقرير.

يقول التقرير في وصفه لحالة الحريات "تضاءل الضوء عبر الغيوم المتراكمة 2018"، لكنه يؤشر أيضا إلى أن الديمقراطية لها جاذبية دائمة كوسيلة لإخضاع القادة للمساءلة، وخلق ظروف لحياة أفضل، ويُبشر بأن "يبقى وعد الديمقراطية حقيقيا وقويا".

يوضح التقرير أن آخر 5 سنوات شهدت تراجعا في مؤشر الحرية، سبقتها 13 سنة دون أي تحسن، وسجلت 22 دولة انخفاضا في صافي درجاتها في السنوات الخمس الأخيرة.

يستقرئ التقرير أسبابا عديدة لتراجع الحريات من بينها مرحلة جديدة من العولمة فتحت الباب لثراء هائل دون توزيع عادل للثروات، وتزايد قوة الحركات الشعبوية اليمينية التي سيطرت على السلطة، وأطلقت شعارات لإحياء السيادة الوطنية ومعاداة الهجرة، واللاجئين، والسعي لتقليص حرية التعبير والإعلام، والسيطرة على فضاء الإنترنت وإخضاعه للرقابة.

صورة من تقرير فريدم هاوس
صورة من تقرير فريدم هاوس

​​ويتحدث التقرير عن ظاهرة مثيرة للقلق وهي تزايد التطهير العرقي، واندفاع دول إلى إجراءات وممارسات تستهدف قتل وتهجير آلاف المدنيين من جماعات عرقية ودينية ويُعطي أمثلة لسوريا وميانمار، يضاف لذلك استهداف المعارضين لأنظمة الحُكم وملاحقتهم في داخل بلدانهم وخارجها.

ينتهي التقرير إلى ملاحظة هامة بالقول "لا تحتوي اللحظة الراهنة على الخطر، بل على فرصة للديمقراطية، ويدعو الملتزمين بحقوق الإنسان والحُكم الديمقراطي أن لا يترددوا في الدفاع لجعل حماية كرامة الإنسان أكثر عدلا وأكثر شمولا، وأن يبرهنوا أنه يمكن تحقيق الوعد الكامل بالديمقراطية".

♦♦♦

تقرير "فريدم هاوس" الذي يُصنف دول العالم الى (حرة، حرة جزئيا، وغير حرة) يشمل 195 دولة ويعتمد على منهجية تستند إلى حد كبير للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعاين الواقع في كل دولة، وتُعطى بعد المراجعة والتقييم علامات من 100 نقطة بالعودة إلى أسئلة مرجعية لكل محور، مثل الحقوق السياسية والحريات المدنية، وحُكم القانون، واستقلال القضاء، والإعلام، وقوة مؤسسات المجتمع المدني، وحرية المعتقد، والحق في تكوين الجمعيات، وواقع حرية التعبير والضمانات المتوفرة لها، وحرية النقد وقوانين التشهير، ونزاهة الانتخابات وآليات مراقبتها، واستقلال البرلمان، وطريقة اختيار رئيس الحكومة، ووجود أحزاب فاعلة، ومراجعة شاملة وتقييم لمدى نجاعة التشريعات والقوانين، وإلى أي مدى تصون الحريات العامة.

محاور كثيرة ومتعددة تخضع للتقييم والقياس، ويرتبط بكل محور كثير من الأسئلة التفصيلية التي يُشرف خبراء على تقصي إجاباتها، من خلال مقابلات مع أصحاب الاختصاص في كل دولة، وكذلك جمع البيانات والمعلومات من خلال الباحثين الذين يُشرفون على إعداد التقرير الذي يُغطي كل عام منذ بدايته وحتى نهايته.

يبدو مؤشر الحرية العالمي معقدا، وقابلا للطعن والنقد، وهذا ما يحدث، فالتقييم خاضع للاجتهادات، والقياس يظل نسبيا، والأسئلة المرجعية "حجر الزاوية" للمُقيمين والخبراء قد يُنظر لها بأنها غير حيادية، ولكن وبكل الأحوال فإن هذا المؤشر يبقى الأهم والأكثر استدامة منذ عقود.

♦♦♦

في كل المؤشرات الدولية لواقع العالم العربي في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات تظهر "العورات"، ويبدو الإخفاق واضحا وجليا، فنحن نتذيل القوائم، والأمل في أن يتغير هذا الحال في القريب ربما أمنية صعبة المنال.

سجلت 22 دولة انخفاضا في صافي درجاتها في السنوات الخمس الأخيرة

​​تونس الدولة الوحيدة التي وصفت بالحرة، وهذا الأمر لم يأت مصادفة، فهي الدولة الوحيدة التي نجحت ونجت ثورتها "ثورة الياسمين" عام 2011 من النكوص والردة، واستطاعت حتى الآن أن تراكم قصص نجاح في بناء منظومة لحقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح والتناوب السلمي للسلطة، رغم كل الصراعات بين كافة القوى السياسية، وحالة الغضب الشعبي.

لم يتحقق كل هذا لتونس بين ليلة وضحاها، ولم يرتبط فقط بسقوط نظام بن علي، فالحقيقة التي لا يمكن نكرانها أو إخفاؤها أن تونس دولة مدنية قبل الثورة، وأرسى الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة منظومة قوانين متقدمة خاصة في المساواة بين الرجال والنساء، ورغم سنوات التضييق السياسي، وكبت للحريات في زمن الرئيس بن علي، فإن المجتمع المدني ظل حاضرا وقويا، والشواهد على ذلك الاتحاد العام للشغل، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، يضاف لذلك أن الواقع الاقتصادي كان مقبولا، ومعدلات الفقر والبطالة لم تكن خطيرة، والتنمية في "الجهويات" ـ المناطق خارج العاصمة ـ متحققة نسبيا.

بعد الثورة استطاعت تونس أن تمضي في بناء حياة سياسية وحزبية، والانتخابات شهد لها العالم بنزاهتها، والبرلمان أصبح فاعلا يعبّر عن إرادة الناس إلى حد معقول، والصحافة خرجت من "عباءة" السيطرة الحكومية، والقوانين التي استُحدثت وعُدلت عززت قيم العدالة ورسّخت سيادة القانون، وهذا كان كفيلا أن تنجو تونس من الصورة النمطية للعالم العربي الذي يوسَم دائما بأنه معاد للحرية، فأصبحت في تقرير "فريدم هاوس" وحيدة تنعم بالحرية.

الوصفة للانتقال إلى مصافي الدول الحرة ليست مستحيلة في العالم العربي إن توفرت الإرادة السياسية لذلك، ويستطيع الزعماء العرب تتبع ومراجعة مؤشر "بيت الحرية"، وأن يجيبوا على أسئلته، ويعرفوا وحدهم العلامة التي سيحصلون عليها.

ويمكنهم أن يضعوا إن كانوا جادين خارطة طريق واضحة لآليات التحول لبلد ديمقراطي، وما عليهم سوى أن يدركوا أن عروشهم لا تحميها إلا الديمقراطية وصون كرامة الإنسان، وأن هذه هي الوصفة الوحيدة للعبور إلى عالم الدول الحرة.

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات