طلاء أظافر حلال.
موقع تعارف حلال.
وكالات تزويج حلال.
رنة هاتف مدفوعة الثمن، ترفع الآذان... حلال طبعا.
حفل اختيار ملكة جمال المرأة المسلمة.
شوكولاتة حلال.
حجاب رياضي للمرأة المسلمة (هذه آخر "تقليعة" انتشرت منذ بضعة أيام على المواقع الاجتماعية).
بيرة حلال (هذه أيضا موجودة).
... وها نحن قد حولنا الدين لسوق كبير يقترح مختلف المنتجات من ماكياج وإكسسوارات ومشروبات وحفلات ورنات وتصاميم مختلفة وملصقات نضعها على السيارة.
في بعض الدول الأوروبية، حيث تتوفر إحصائيات ودراسات عن مختلف الظواهر الاجتماعية، يتم تقييم "سوق الحلال" بملايين الدولارات، سواء فيما يتعلق بالأرباح التي تحققها المحلات التجارية التي تعتمد علامة "الحلال" أو فيما يخص اقتناء رخصة "الحلال" من طرف تلك المحلات: هذه الأخيرة تدفع مقابلا ضخما للمساجد الإسلامية هناك، والتي تمنح صك "الحلال" لمختلف المنتوجات التجارية؛ وبالتالي، يكون على مروجي تلك المنتوجات أن يحققوا أرباحا تتجاوز أو تساوي على الأقل مبلغ استثمارهم.
بعض علامات الوجبات السريع (الفاست فود) التي حصلت في السنوات الأخيرة في أوروبا على صك الحلال، عرفت ارتفاعا مهولا في أرقام معاملاتها التجارية، لأنها اكتسبت عينة جديدة من الزبائن... زبائن كانوا يستحقون أن تستثمر تلك العلامات مبالغ عظيمة لاستقطابهم... حتى تحقق مزيدا من الأرباح.
علامات تصميم ملابس جاهزة أصبحت تتخصص في ملابس المحجبات أو تقترح أجنحة خاصة بهن، ليس بقناعة أيديولوجية لكن بأهداف ربحية.
شركات الاتصالات، منظمو التظاهرات الشعبية، إلخ.
طبعا، لا يمكننا أن نلوم هذه المؤسسات التي تتعامل بمنطق السوق وتبحث عن زبائن جدد أينما وجدوا... وهذا مشروع ما دام لا يعتمد على الكذب والخداع.
المشكلة فينا وفي هذا التدافع الذي خلقناه حولنا، بحثا عن تلك المنتوجات الحلال، ليصبح الدين بذلك علامة تجارية؛ بينما يفترض أن يكون قناعة وإيمانا وقيما قبل كل شيء.
ماذا يعني أن تشتري ملصقا عليه عبارة "لا تنس ذكر الله" وتضعه على سيارتك، بينما تسوق بطريقة همجية قد تسبب الأذى للآخرين وقد تحصد أرواحهم؟
ما معنى أن تضع ذلك الملصق على سيارتك وتقترح رشوة على شرطي المرور، أو أن تكون أنت نفسك شرطي المرور الذي يقبل رشوة كي لا يسجل المخالفة؟
ما معني أن تضعي طلاء أظافر حلال (أقسم أنه موجود لدى بعض من المحلات) وأن تعاملي مساعدتك المنزلية باحتقار وتحرميها أبسط حقوقها، أو أن تنظمي جلسات نميمة مطولة مع جاراتك وزميلاتك وأن تغشي بائعا في سعر منتوجه وتكذبي على زوجك وتحتقري زوجة أخيك التي تأتي من وسط اجتماعي أقل منك؟
ما معنى أن يرن هاتفك كل لحظة بالأذان وأنت تعامل زوجتك معاملة سيئة مهينة أو تضرب أطفالك أو تحرم موظفيك من حقهم في التغطية الاجتماعية (حتى حين تكون إجبارية)؟
يمكننا أن نستمر في الأمثلة إلى ما لا نهاية، لنصل لنتيجة واحدة مؤلمة وموجعة: لقد أفرغنا الدين من بعده الروحي وحولناه لطقوس ولمنتجات تجارية.
التدين، قبل أن يكون طقوسا، هو قيم... هو علاقات إنسانية... هو محاولة للوصول إلى معاني جميلة من الرقي الإنساني...
التدين ليس علامة على الجبهة (فيها ما فيها من التحايل) ولا لقب "حاج" ولا ملصقا على سيارة ولا منتوجا حلال (مهما بلغ مستوى الكاريكاتور في هذا المنتج وفي "حلاليته") ولا حفلا حلالا ولا رنة هاتف تؤذن. التدين قيم وأخلاق وسلوك.
لا معنى لأن تكون منتوجاتك، كل منتوجاتك، حلالا.... وأنت تكون أنت نفسك، حراما!
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).