Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

جلد امرأة في إندونسيا بتهمة "قضاء وقت بالقرب من رجل ليس زوجها" (أرشيف)
جلد امرأة في إندونسيا بتهمة "قضاء وقت بالقرب من رجل ليس زوجها" (أرشيف)

د. عماد بوظو/

لا يوجد عبارة استغلها المتطرفون وأساؤوا استخدامها مثل "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، التي ورد ذكرها في القرآن عدة مرات: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" آل عمران 104؛ "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، آل عمران 110؛ وفي الحديث، عن أبي سعيد الخدري أن الرسول قال عن حقّ الطريق: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" متفق عليه.

رغم أن المعروف يعني "الفعل المتعارف عليه للخير والإحسان" فقد كان فهم المتطرفين لأمر الأطفال بالمعروف هو توجيههم للصلاة والصوم من عمر سبع سنوات، وأمرهم بهما عند سن العاشرة فما فوق، وللولي أن يضربهما إن تخلّفا، اعتمادا على حديث منسوب للرسول "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر".

وهي الطريقة نفسها التي يرون اتباعها لزجر الأطفال عن المعاصي، كما شمل نفس هذا الأسلوب بالأمر بالمعروف المرأة إذ حسب رأيهم، "من النساء من لا ترتدع إلّا بالضرب"، ورغم أن بعضهم يستدرك بأن الضرب هو آخر الطب بعد الوعظ والهجر، لكن الإمام ابن باز يؤكّد بأن هناك ترخيص من الله لممارسته عند اللزوم. وذهب بعضهم إلى أن للزوج أن يضرب زوجته على تركها لحقوق الله مثل الطهارة والصلاة أو إغلاق الباب دون الزوج، "رفض ممارسة الجنس معه"، وتتساوى المرأة في طريقة التعامل هذه حسب رأيهم مع الخادم والدابّة.

في هذا العصر ليس مسموحا ضرب الأطفال أو الزوجات تحت أي ذريعة

​​كما رأوا أن هناك ضرورة لإتباع وسائل أكثر تشددا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعات هذه الأيام نتيجة ظهور "المعاصي والبدع والشرك وانتشار الشرور والفساد وكثرة دعاة الباطل"، وكانت وسيلتهم لتنفيذ ذلك هي "الإنكار باليد"، أي إراقة أواني الخمر وكسر آلات اللهو واستخدام كل الوسائل لدفع العامّة وخاصة النساء للتقيد باللباس الإسلامي وإلزام الناس بالصلاة، وإقامة الحدود والتعزيرات الشرعية حتى يستقيم الناس ويلزموا الحق، كما شددوا على أن تكون العقوبات علنية حتى يتعظ الناس، أو بمعنى أوضح حتى يخافوا.

أما عندما لا تسمح لهم الظروف بتنفيذ ذلك بالقوة، فعليهم الاكتفاء بدعوة الناس باللسان لإتباع أحكام الله، حيث يعظوهم ويتحرّون عن ما يقومون به من أفعال غير مقبولة حتى ينهوهم عنها. وابتكروا لذلك أساليب جديدة، مثل تقديم مساعدات وحوافز في المدارس والجامعات وأماكن العمل لكسب الشباب ولدفع الفتيات والسيدات للتقيد بالحجاب، أو حتى إغراءات مالية لسيدات مشهورات لارتداء الحجاب أو النقاب والترويج لذلك باعتباره انتصارا لتصورهم عن الإسلام، كذلك تقديم عروض مالية أو شراء الأمكنة أو المتاجر التي تعرض فيها منتجات يعتبرونها لا تتناسب مع الشرع أو النوادي المختلطة أو التي تقدم فيها مشروبات كحولية لتحويلها إلى مشاريع "حلال"، وغيرها من الحالات التي يستخدمون فيها أموال الجمعيات والجماعات الإسلامية لفرض نمط حياة اجتماعي واحد والقضاء على التنوع الذي تميزت به مجتمعات الشرق الأوسط طوال تاريخها، بحيث يصبح المختلف حالة شاذة معزولة.

كما ظهر ذلك في دول مثل مصر بأن يبحث أشخاص ليس لهم أي صفة رسمية عن تصريح لأحد المثقفين أو تدوينة على مواقع التواصل أو ما تضمنه أحد الكتب من أفكار أو ما ارتدته إحدى السيدات من ثياب لا تتماشى مع رؤيتهم للدين، لتقديم بلاغات للنيابة أو إقامة دعاوى قضائية، وتوجيه اتهامات لهم بازدراء الدين الإسلامي أو الخروج على عادات وتقاليد المجتمع أو الفجور، وشاركت مؤسسة الأزهر في بعض هذه الدعاوي وتعرّض بعض المستهدفين من هذه القضايا للسجن لأن لهم آراء أو ممارسات يعتبرها رجال الدين هؤلاء غير مقبولة.

كما ابتكروا استخداما جديدا مختلفا للحسبة، وهي بدعة لا وجود لها في القرآن أو الحديث الصحيح، كانت تستخدم في العصر العباسي للإشارة إلى الأشخاص الذين يراقبون غش المكاييل أو الأسعار في الأسواق، وجعلوا منها مسؤولية يمنحها الحاكم لرجال دين ليقوموا بمراقبة أخلاق وتديّن المجتمع، حيث يقوم المحتسب بحثّ الناس على أداء عباداتهم ومحاربة البدع و"الرذائل" مثل اختلاط الرجال بالنساء، ويعمل على عدم "هتك مبادئ المجتمع المسلم وأعرافه وآدابه العامة"، لأنهم يخشون من أن اعتبار الخروج على هذه المبادئ حرية شخصية قد يسهل على العصاة إغراء الصالحين بسلوك نهجهم! وحتى يستطيع المحتسب القيام بواجبه على أكمل وجه عليه التجسس على سلوك الناس في الطرقات والأسواق وداخل منازلهم لمعرفة درجة التزامهم بالتعاليم الدينية.

كشف هذا النمط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن وجهه الحقيقي في إيران والسعودية

​​ونتيجة لاقتناع هذا النوع من رجال الدين بأن هناك عقاب إلهي على من يشاهد المنكرات ولا يفعل شيئا لمنعها، فقد جعلوا وظيفة المحتسب متاحة للعموم، أي يحق لكل مسلم بل من واجبه مزاولتها، ولعب دور المدعي العام بالشكوى على من يخرج عن القواعد الاجتماعية والدينية السائدة، كما أن من صلاحياته اقتحام أي مكان يظهر فيه المنكر أو يهجر فيه المعروف ليقوم بواجب الأمر والنهي، بإزالة كل ما لا يتماشى مع الدين، وتنفيذ "الوعد والوعيد" وهو إنزال العذاب بالمخطئ.

وخلال العقود الماضية كشف هذا النمط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن وجهه الحقيقي في إيران والسعودية، على يد الباسيج في الأولى والمطاوعين في الثانية. وهذه عبارة عن أجهزة أمن تلعب دور شرطة دينية وظيفتها مراقبة الناس في الأماكن العامة من ناحية المظهر كعدم تغطية النساء لشعرها أو وجهها بشكل محكم أو أن تكون زينتها ظاهرة بما فيها وضع عطر أو طلاء أظافر، أو أن تكون العباءة غير واسعة بحيث تظهر بعض معالم جسمها، وكذلك مراقبة من لم يذهب للصلاة لدفعه بالعصا إلى المسجد، والتجسس على الناس داخل بيوتهم خصوصا إذا خرج منها صوت موسيقى أو شوهد دخول رجال ونساء إليها، أو صدر منها رائحة توحي بمشروبات كحولية أو عدم الصيام في رمضان وغيرها لتقدّم الشكل الأكثر تشددا للرقابة على التفكير والسلوك ولزرع الخوف في قلوب الناس، لتوضّح إلى أي حد يمكن أن يتمادى رجال الدين المتطرفين في قمعهم بشكل لا يختلف أبدا عن ممارسات داعش والقاعدة.

قامت الحضارة الحديثة على حرية الإنسان في تفكيره ومعتقداته، التي تتماشى مع الآية 256 من سورة البقرة "لا إكراه في الدين"، وتتضمن هذه الحرية حسب المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "حق أي فرد أو مجموعة بشرية في إظهار دينها أو معتقداتها وممارسة شعائرها بما فيها حرية تغيير الدين أو عدم إتباع أي دين"، والذي اعتمدته أغلبية دول العالم وكانت مصر وسوريا والعراق وإيران من أوائل الموقعين عليه.

وفي هذا العصر ليس مسموحا ضرب الأطفال أو الزوجات تحت أي ذريعة، ولا يحق لأي شخص أن يتجسس على محيطه ولا سؤال أي شخص عن درجة تدينه أو مدى التزامه بعباداته، ولم يعد مقبولا فرض قيود على الحرية الشخصية التي لا تلحق أذى بالآخرين، ومن حق الإنسان أن يؤمن بما يعطيه السكينة والسلام الداخلي، أي أن كل ما قام به دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال العقود الماضية أصبح مرفوضا في عالم اليوم.

اقرأ للكاتب أيضا: أردوغان.. ازدواجية المعايير بين الأرمن والأويغور

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات