Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

الحرية في البلدان المغاربية

دارا عبد الله/

يُختصَر مفهوم من الحرية في يومنا الحالي بمسألة تنوع الخيارات.

كلما ازدادت إمكانياتنا على الاختيار نصف قُطْر، كلما خفت قيودنا، وتحسّنت فرصنا في اختيار الوظيفة ومكان السكن والسلع الشرائية وأنماط الحياة، وربما حتى شريك الحياة. كلما استطعنا أن نسافر أبعد، وأن نستهلك أكثر؛ بالتالي، كلما كنا أكثر حرية.

هذه هي بالضبط، الحرية المهيمنة بمعناها الشائع والمتداول في عالمنا المعاصر الحالي. لكن، هذا المفهوم "الكمي" للحرية، له مزالق ومشاكل كثيرة. إذ تصبح الطبيعة، وفقا لهذا المفهوم "الكمي" للحرية، عبارة عن ساحة من أجل تحقيق رغباتنا. وإذا حاولت الطبيعة أن تقاوم رغبتنا في تحقيق هذه الحرية الكمية، نقوم بترويضها وإخضاعها وإيذائها بالتكنولوجيا.

الحرية الكمية تتحول إلى هوية ضدية مغلقة، أما الحرية النوعية فهي عبء والتزام أخلاقي

​​إذ كلما اشتدت الرغبة في زيادة الخيارات، زادت قبضة التحكم في البيئة والعالم، من أجل التقليل من "أثر البيئة المزعج". ولا يسوء الموقف من الطبيعة فحسب بسبب الحرية الكمية، بل يدمر حس التعاطف الإنساني أيضا، إذ أن الناس الذين يأتون إلى الغرب، من أجزاء أخرى من العالم، خاليي الوفاض، وفارغي الأيدي، هاربين من الحروب والأزمات، يصبحون في دول النموذج الكمي للحرية، مصدرا لتهديد محتمل لأنماط حياتهم ونزعاتهم الكمية.

ربما هذا ما يفسر، ولو بشكل جزئي، تركيز اليمين الصاعد حديثا في سياق وقوفه ضد الهجرة على "قيم الحرية"، إذ أن المقصود بها، غالبا، هو هذه الحرية الكمية بالذات، أي أنها عنصرية "الحرية الكمية". لذلك، فإن النضال من أجل الحرية الكمية المحضة يكون لدى أولئك الذي لا يسعون إلى الحرية بشكلها الحقيقي، وإنما لزيادة قدرتهم على تنويع الخيارات.

يؤكد الفيلسوف من جامعة تورينغن في ألمانيا، كلاوس ديريكس ماير، على أن الليبرالية مهددة في معقلها بـ"الموت الأخلاقي البارد". إذ أن أولئك الذين كانوا يدافعون عن القيم الليبرالية، أو ما يسميها ماير بـ"الحرية النوعية"، صاروا يتخلون عن الحرية النوعية (الليبرالية)، بمجرد أن تتحقق شبكة مصالحهم بشكل أفضل مع الحرية الكمية (النيوليبرالية).

ويشير ماير بأن مكمن الخطورة، هو في صعود أنظمة سياسية، وأنماط اجتماعية في الغرب، تقدم أهمية الحرية الكمية على الحرية النوعية. بل تنتصر لسيادة الأولى على حساب إهمال الثانية. وهذا بالضبط ما يسميه بـ"الموت الأخلاقي البارد".

ويكمل ماير بأن الحرية الكمية شديدة الفردية والأنانية، وهي مدمرة للبيئة وغير قادرة على التفكير في أفق إنساني أوسع، وهي فئوية وخاصة، ومن الممكن جدا أن تصبح سندا أيديولوجيا للأفكار القومية واليمينية، وهي تغرق الفرد في فوضى دوافعه وغرائزه بسبب لهاثه لإكثار الخيارات.

أما الحرية النوعية فهي تطلعية نحو مصير العالم أجمع، ومستقبل البشرية والبيئة، وهي متواضعة و"متقشفة" بل تسعى إلى تقليل الخيارات لتخفيف الاستهلاك والتحكم بحرقة غريزة الشراء، وبالتالي زيادة أعداد الأفراد المتنعمين بالحرية النوعية.

الحرية النوعية فهي تطلعية نحو مصير العالم أجمع، ومستقبل البشرية والبيئة

​​الحرية الكمية تتحول إلى هوية ضدية مغلقة، أما الحرية النوعية فهي عبء والتزام أخلاقي، وتسعى إلى كرامة الاستقلال الذاتي لكل فرد على سطح هذه الأرض.

السؤال الأساسي الحاسم حول فلسفة الحرية، هو ليس عدد الخيارات التي أمتلكها، بل هو عدد الأشخاص الذين يمتلكون بعدالة نفس الخيارات؛ حتى لو كان هؤلاء الأشخاص يعيشون في أمكنة بعيدة عنا.

فهل العالم الذي نعيش فيه يتجه حول انتشار هذه العدالة؟ النظرة إلى منطقتنا وبلداننا لا تبدو متفائلة. لربما يبادر أي منا إلى جواب سريع: النقاش الدائر في بلداننا لا يزال في مرحلة البحث عن الحرية، ولا ترف في التمييز بين حرية "نوعية" و"كمية". هذا صحيح في الشكل، لكن في المضمون، إن ما تقدمه الأنظمة المختلفة في بلداننا من خيارات ينحصر بين القمع الشديد وصولا إلى نوع من الحرية الكمية. حرية ترتبط بالاستهلاك لا بالقيم والخيارات السياسية والاجتماعية.

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات