سيوزعون علينا الورود.
ويوم الجمعة 8 مارس، سيقولون لنا عشرات المرات: "كل سنة وأنت بخير". "كل التهاني". "مبروك عيد المرأة".
وكأننا نحتفل بعيد!
ستصلنا التهاني عبر الرسائل الهاتفية... وعلى مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
زملاؤنا سيهنؤوننا... المؤسسات التي نشتغل فيها قد تحتفي بنا عبر توزيع ورود أو تنظيم حفل شاي. شركات أخرى في مختلف القطاعات ستقدم عروضا تجارية خاصة بـ "عيد النساء".
فهل من يشرح لكل هؤلاء ولغيرهم من جوقة المهنئين بأن الثامن من مارس... ليس عيدا ولا عرسا؟ أنه ليس يوما لتوزيع أو تلقي التهاني والورود؟ أن الثامن من مارس هو بكل بساطة: "اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء".
الثامن من مارس هو ذكرى سنوية تتكرر لكي لا ننسى أننا ما زلنا نحتاج لنضال سنوات وعقود طويلة لتحقيق المساواة التامة بين الرجال والنساء في عدة ميادين: الولوج لمختلف الحقوق (التعليم، الشغل، الملكية، وغيرها من الحقوق الأساسية)، لكن أيضا في الأجور، والإرث، والممارسة السياسية، وحرية التجول والملبس، إلخ.
يوم يذكرنا أيضا بترسخ العقلية الذكورية لدى العديد من الرجال، لكن أيضا لدى العديد من النساء. نساء يعتبرن أن الرجل "طبيعيا" أفضل منهن. نساء يؤمن بالتقسيم "الطبيعي" للأدوار بين الزوجين، حيث لا يجوز أن يتكفل ببعض المهام داخل البيت، حتى حين تكون هي بدورها عاملة خارج البيت. نساء يربين أبناءهن على قيم تختلف حسب جنس الطفل. نساء يعتبرن مثلا أن تعيين امرأة وزيرة للداخلية في لبنان قد يكون أمرا مقلقا لأن وزارة الداخلية تحتاج لكفاءة عالية. وكأن الرجل بالضرورة كفء والمرأة بالضرورة "حنون عطوف ناقصة عقل ودين وحزم".
في مختلف أنحاء العالم، هناك أشكال حيف ضد النساء، وإن كان هذا الحيف يختلف من بلد لبلد. واقع النساء في البلدان الديمقراطية هو بالضرورة أفضل من واقعهن في معظم بلدان العالم الثالث... لكن هذا لا يمنع نساء دول متقدمة من أن يعانين من العديد من أشكال الحيف كالعنف والتحرش وعدم المساواة في الأجور وغير ذلك...
في مختلف الدول، سنجد أن أشد أشكال البؤس من أمية وهشاشة اقتصادية واجتماعية وعنف، تمس النساء. في فرنسا مثلا، 88 من المئة من ضحايا العنف هن نساء.
في بلجيكا، سنة 2018، بلغ عدد النساء ضحايا العنف المؤدي للقتل 25 قتيلة، وقد كان عددهن أكبر من ضحايا الإرهاب من الجنسين.
في المغرب، 6 من كل عشر نساء من 18 إلى 64 سنة يعانين على الأقل من شكل واحد من أشكال العنف، 55 في المئة من حالات العنف هذه تمارَس من طرف الزوج... و3 في المئة فقط يبلغن عن العنف الواقع عليهن.
في مصر، تعاني 4000 امرأة من العنف بشكل يومي. في 70 في المئة من الحالات، يكون العنف من طرف الزوج.
وهذا غيض من فيض الوجع والحيف: الاغتصاب على فراش الزوجية؛ عدم المساواة في تحمل النتائج في حالة الحمل خارج الزواج، رغم أن العلاقة الجنسية يقوم بها الاثنان؛ عدم المساواة في الإرث؛ عدم المساواة في الأجور، حيث تبين مختلف الدراسات العالمية أن النساء اللواتي يمارسن نفس مهام الرجال وبنفس الكفاءات، يتقاضين أجورا تبلغ في المتوسط 80 في المئة مما يتقاضاه الرجال؛ وهلم حيفا.
في مختلف بلدان العالم، ما زلنا نحتاج لذكرى الثامن من مارس لكي نعي أن المكاسب التي تحققت هي انتصار جميل... لكنه غير كاف.
ما زلنا نحتاج للثامن من مارس ليستمر النضال من أجل مزيد من الحقوق وبهدف تحقيق المساواة الفعلية.
لكننا بالتأكيد لا نحتاج للثامن من مارس لكي نتلقى التهاني والورود...
تهنؤوننا بماذا؟ بالظلم الممارس علينا؟
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).