Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

من تظاهرة بمناسبة عيد العمال في بيروت عام 2014
من تظاهرة بمناسبة عيد العمال في بيروت عام 2014

حسن منيمنة/

الأول من مايو هو عيد العمال في مختلف أنحاء العالم (ولكن ليس في الولايات المتحدة، رغم أن المناسبة هي لتخليد ذكرى حادثة وقعت في مدينة شيكاغو الأميركية عام 1886). بل الأول من مايو هو عيد اليسار العالمي، وتاريخ احتفال الأحزاب الشيوعية والاشتراكية بنضالها وإنجازاتها. وإذا كان سجل اليسار في العديد من الدول ملتبسا، فإن ارتباكه في المحيط العربي يبدو مضاعفا. وإذا كانت ثمة إعادة نظر بإعلان موت اليسار في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، فإن المقابل في السياق العربي يبدو غائبا على أكثر من صعيد.

واقع الحال أن تسمية "اليسار" تنطبق على مسميات مختلفة في طبيعتها وأدوارها. لا بد بالتالي من بعض الفرز والتبيان للمستويات وللمصطلحات والمفاهيم.

اليمين هو تغليب الحرية، واليسار هو تغليب العدالة

​​التسمية المختزلة "يسار" و"يمين" تعود تاريخيا إلى أماكن جلوس ممثلي الشعب في مجلس النواب في فرنسا خلال المرحلة الثورية، عند نهاية القرن الثامن عشر، واصطفافهم يسارا ويمينا وفق التماهي في قناعاتهم العقائدية. هي القناعات التي تشكلت في عصر الأنوار والتي أسست لقراءات مبدئية متواجهة لماهية حركة التاريخ، توسّع فيها نظريا العديد من المفكرين الغربيين في معالجتهم لطبيعة الإنسان، وأشكال اجتماعه واقتصاده، وهيئة السلطة، وتوجهات استتبابها بما يقترب من القيمة العليا لوجوده. المساهمات العربية عند هذا المستوى لم تكن معدومة، وإن لحقت بالركب متأخرة قرن ونيّف، ومنها على سبيل المثال نتاج كل من سمير أمين والشهيد مهدي عامل.

وقد تكون إحدى الوسائل للتقديم الإجمالي لهذا السجال الحضاري الذي انطلق من عصر الأنوار ولا يزال مستمرا إلى اليوم هي في إرجاع الاختلاف بين "اليمين" و"اليسار"، على المستوى المبدئي، إلى التغليب المواجه لدى كل منهما لإحدى قيمتين كقيمة عليا. فاليمين هو تغليب الحرية، واليسار هو تغليب العدالة.

ولا شك بأن كافة الطروحات الناضجة الصادقة المنتجة الساعية إلى استشفاف صيغة بناءة لحياة الإنسان في مجتمعه تقوم على اعتبار لكل من الحرية والعدالة في تشكّلها. غير أن فعل الموازنة هذا إن جاء ليقدّم الحرية على العدالة، بما يقتضي ذلك من إبراز لدور الفرد كمحرّك للمجتمع والدولة والتاريخ، صحّ وصفه اصطلاحا باليميني، وإلا فهو يساري، إن قدّم العدالة، بما هي من نتيجة متحصلة من جمع المساواة النظرية والأخوّة العملية، على الحرية، مع ما يستدعيه ذلك من التركيز على الجماعة المتعاضدة لتجنب تحوّل التفاوت بين الأفراد بحكم ميراثاتهم إلى علاقات قوة تستنزف الحقوق.

أما الحرياتية الداعية إلى إطلاق الحرية على أنها الطبيعة الإنسانية الصافية، وإن بدت أنانية وجشعا (لدى آين راند مثلا) كما الشيوعية النظرية القائلة بأن قدر الإنسانية أن يكون لكل وفق حاجته ومن كل حسب طاقته، وإن ظهرت وكأنها دعوة إلى الرتابة والخمول، فهي مغامرات فكرية وحسب وأشكال قصوى للتغليب، والذي لا يستقيم على أرض الواقع ولا يحتمل إلا اعتبار القيمة المغلوبة.

والعلاقة بين هذا المستوى المبدئي، أي جدلية الحرية والعدالة، والمستوى السياسي، أي صياغة البرامج العملية الكفيلة بمعالجتها، كانت اسمية في العديد من الأحيان قبل أن تخلي السبيل صراحة لمقولات بديلة حول الاختلاف بين اليمين واليسار. إذ يصعب استشفاف السعي إلى تحقيق العدالة والتأسيس لإنسان جديد ومجتمع خالٍ من الطبقية في تجربة لينين وستالين، والتي أرادت أن تكون تجسيدا للفكر اليساري، بما اقترفته من مجازر ومظالم، كما يستحيل الإقرار لخصمها الغربي، والمتشبث بمستعمراته ثم ما آلت إليه من امتيازات، بأن الحرية الفردية كانت محرّكه.

يمكن القول إن اليسارية في المحيط العربي كانت ولا تزال وحسب شكلا آخر من أشكال الفئوية العشائرية

​​أي أن الحروب العالمية، بما فيها الحرب الباردة، والتي غالبا ما تصوّر على أنها مواجهات عقائدية، هي أقرب استقرائيا إلى الصدام بين التكتلات المتماهية في سعيها إلى تعظيم مكاسبها، وإن تحت شعارات الانتصار للاشتراكية أو الرأسمالية. فما يعنيه أن يكون الحزب الحاكم في الصين اليوم شيوعيا، في حين أن التحول الرأسمالي قد جعل من الصين ضمن أولى المراتب الاقتصادية عالميا، هو أن للصين سلطة مركزية واقتصاد موجّه (إلى حد ما)، لا أن الصين ملتزمة بتجسيد الشيوعية المبدئية.

وإذا كان التباعد بين المستوى المبدئي والمستوى السياسي قائما عالميا، فهو كذلك وبشكل مضاعف في السياق العربي. بل يمكن القول إن اليسارية في المحيط العربي كانت ولا تزال وحسب شكلا آخر من أشكال الفئوية العشائرية المتأصلة في مجتمعاته.

لا بد بالطبع من المثابرة على نقد البنى السياسية والاجتماعية سعيا للأصلح، عربيا وعالميا على حد سواء. غير أن يلزم أيضا عدم الإفراط بالطعن لعدم تماثل ما هو قائم مع التصورات المبنية على اعتبار التجارب الخارجية وحسب. تكثر في هذا الصدد فوقية فكرية في غير محلّها تسفّه من البنى القائمة وتفترض تخلفها، في حين أن هذه البنى، وإن ربما لم تعد صالحة، تنضوي على منطق ضمني يخدم مجتمعاتها.

فالإطار القبلي أو العشائري، والذي غالبا ما يحظى بالإشارة المسقطة على أنه تعبير عن تخلف حضاري أو سياسي لميله إلى التشظي، بما يحمّله تهمة تهديد الاستقرار، وإعادة الاصطفاف، بما يلقي عليه تهمة انعدام الولاء والميل إلى تأييد الأقوى، كان الوسيلة اللينة للدفاع عن القائم قبل قيام الدولة العصرية ولا يمكن توقع تلاشيه دون أن ترتقي هذه الدولة إلى ما يخدم قاعدتها. فوصف اليسارية بالعشائرية ليس طعنا بل سعي إلى مقاربة موضوعية.

فما حدث في السياق العربي لم يكن تلاشي القديم مع بروز الجديد، بل قد يكون أقرب إلى عكس ذلك. أي أن الدولة العصرية والتسميات السياسية المستحدثة، وتحديدا اليسار، هي التي تماهت مع الطبيعة الفئوية للإطار العشائري، وإن لم تقرّ القراءة النظرية بذلك.

وفي الفكر اليساري العربي المتداول خلال عقود ما قبل الإسلامية، كان توصيف اليمين على أنه الفرز العامودي للمجتمع والذي يحبّذ فئة (قومية أو عرقية أو طائفية) على غيرها ويعتمد بالتالي اعتبارات ثقافية للربط بين الشرائح ضمن هذا المفروز العامودي في تعمية للطبيعة الطبقية للمجتمعات وذلك بغية تمكين الاستغلال؛ فيما اليسار هو الفرز الأفقي للمجتمع والمبني على الاعتبارات الاقتصادية الموضوعية التي تجمع بين من هم في الطبقات الدنيا الكبيرة المستغَلة (بفتح الغين) والمتشاركين بمصالحهم في مواجهة القلة الحاكمة الثرية المستغِلة (بكسر الغين).

هذا نظريا، أما عمليا، مع بعض التعميم، فاليسار في غالب المحيط العربي لم يكن توجها عقائديا قادر على الاستقطاب بقوة الحجة وبطرح يغلّب العدالة بقدر ما كان الإطار لعشيرة أخرى، وإن أقل عامودية في بعض الأحيان.

أما اليوم فما تبقى من اليسار هو عشيرة من ليس إسلاميا، أو ربما من ليس عروبيا، أو من أراد كمّا من الحداثة مع بعض التباين إزاء الغرب. بل العشيرة اليسارية في الكثير من المواقع العربية، في داحسها وغبرائها مع غريمتها الإسلامية، لا تجد حرجا بأن ترفع الكأس لنظام بطش بشعبه في سوريا، أو أن تمجّد قيصر روسيا الجديد، متسلحة بتسطيح يزعم بأنه والغرب سيّان.

الحاجة تبرز مجددا لأصوات يسارية لمحاورة الأصوات اليمينية الصادقة

​​منذ ستينيات القرن الماضي، أدرك اليسار الغربي أن البعد الاقتصادي، الطبقي الأفقي، ليس وحيدا في استقطابه للفرد، والذي غالبا ما يجد الملاذ في الانتماء الثقافي، الهوياتي العامودي، فجرى تقصي مسألة إيفاء "الاقتصاد المعنوي" حقّه مع الاعتبار المتواصل للاقتصاد السياسي.

مع استئثار السلطوية الشمولية ضمن المنظومة الاشتراكية بتمثيل اليسار عالميا، ومع فشل اليسار الغربي، إلا في الدول الإسكندنافية، في ترجمة مقولاته إلى برامج ناجعة، كان من الطبيعي أن تتضرر الصورة اليسارية. والمفارقة هي أن ما استنزف الرصيد اليساري هو اعتماد الأحزاب المصنّفة يمينية في الغرب لبعض طروحاته حول العدالة الاجتماعية وتطبيقها لبرامج العناية والرعاية.

أما اليوم فمع عودة الهوياتية الخطرة شرقا وغربا، فإن الحاجة تبرز مجددا لأصوات يسارية، بمعنى الأصلي لتغليب العدالة مع اعتبار الحرية، لمحاورة الأصوات اليمينية الصادقة، المقدّمة للحرية مع مراعاة العدالة. ثمة مؤشرات إلى أن ما يفي هذه الحاجة يسير نحو التشكل في الغرب. وقد يكون على الإطار العربي، حيث انشغال ما تبقى من اليسار هو بمقارعة، دون تأثير يذكر، للطروحات الهوياتية المختلفة، فربما أن المطلوب هو الصبر والانتظار.

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات