"نحن مجتمع يبحث عن المفطر في رمضان ليعاقبه، ولا يبحث عن الجائع طوال السنة ليطعمه". عبارة كنت قد قرأتها منذ مدة على مواقع التواصل الاجتماعي وظلت عالقة بذهني.
مع كل شهر رمضان، يبدأ نقاش الحق في الإفطار العلني في عدد من البلدان والمجتمعات التي تعاقب عليه إما قانونيا، وإما بشطط وعنف مجتمعيين.
الآن، لنفكر بهدوء وبدون انفعال: أولا، ليس هناك في القرآن ولا حتى في السنّة ما يدعو لمعاقبة مفطر رمضان بالسجن أو الضرب؛ كما أن مبدأ الصيام في الإسلام يبنى على قاعدة: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فهو لي وأنا أجزي به". هناك، بالفعل، أنواع من الكفارة التي ينص عليها القرآن؛ لكنها تبقى في إطار علاقة المسلم بربه. لماذا إذن يقرر البعض، دولة أو أفرادا، أن يأخذوا مكان الله ليعاقبوا المفطرين في رمضان، بالسجن أو الضرب؟ ثم، أليست هناك آية أخرى تقول بأن "لا تزر وازرة وزر أخرى"، على أساس أن لا أحد يعاقب بـ "ذنب" شخص آخر؟
إن المسلم الصائم الذي يعتبر بأن تناول البعض لطعامهم في حضوره يزعزع إيمانه، عليه أن يراجع إيمانه بشكل جدي. إذا كان إيمانه هشا لهذه الدرجة، وإذا كانت مشاهدته للآخرين يأكلون تزعج صيامه، فهذا يعني أن إيمانه هش قابل للزعزعة لأبسط (وأتفه) الأسباب. ثم، لماذا لا ينزعج نفس الصائم حين يأكل أمامه أجنبي؟ ألأنه يعرف أنه ليس مسلما، وبالتالي فهو ليس مجبرا على الصوم؟
كذلك، كل أولئك الصائمين خارج رمضان (أولئك الذين يصومون لنيل ثواب أفضل أو لسداد دين إفطار أيام في رمضان)، لماذا لا ينزعجون حينها من مشاهد الآخرين يأكلون، ولا يزعجهم الأمر إلا في رمضان؟
إذا حاولنا الإجابة على هذه الأسئلة بموضوعية، سندرك أن الأمر لا يتجاوز رغبة خفية في ممارسة الوصاية على من يفترض أنهم ينتمون لنفس ديننا، والذين يفترض أن يفعلوا تماما مثلنا... وبالتالي، فنحن ننزعج من احتمال ممارستهم لحقهم في الاختلاف.
من جانب آخر، يعتبر البعض أن من حق الجميع أن يأكل في رمضان، لكن في بيته. حتى وزير حقوق الإنسان المغربي، مصطفى الرميد، كان قد أعلن خلال توليه وزارة العدل، بأنه من حق الجميع أن يأكل في رمضان، لكن في بيته. ألا يترجم هذا نوعا من العبث والكثير من الديكتاتورية؟ فهل يكون الفضاء العام حكرا على الصائمين فقط؟ أليس من حق غير الصائم ممارسة حريته في الفضاء العام؟
ثم، لنتذكر فقط أن هناك مسلمين في أوروبا وأميركا والهند وغيرها من الدول، حيث الأغلبية ليست مسلمة. ما بال هؤلاء يصومون وحولهم مواطنو بلدانهم يأكلون ويشربون المواد الكحولية ويلبسون ما يشتهون، دون أن يزعزع ذلك قناعاتهم؟ هل لنا أن نتخيل مثلا مسلما كنديا أو ألمانيا يطلب من زملائه أن لا يأكلوا بحضوره احتراما لصيامه؟
فهل يكون صيام وإيمان المسلم في بلد ذي أغلبية إسلامية أكثر هشاشة من صيام المسلم في بلد ذي أغلبية غير إسلامية؟ أليس الجواب الموضوعي عن هذا التساؤل يعيدنا مرة أخرى لخانة الرغبة في ممارسة الوصاية على من يفترض أن يشبهنا، في بلدان نعتبر أنها مسلمة ولا حق لأحد في أن يعتقد ما دون ذلك؟
سيأتي علينا من يقول إن له زملاء في ألمانيا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة، لا يأكلون بحضوره في رمضان، "احتراما لمشاعره" (ولو أنه من العجيب أن نعتبر أن "المشاعر" تتأذى برؤية شخص يأكل). على كل، هذا سلوك لطيف من طرف شخص يحترم حق الآخر في الاختلاف ـ علينا أن ننتبه جيدا لهذا التفصيل ـ لكن، لنتذكر أنه سلوك اختياري! بينما المشكل، في معظم بلداننا، أنه يصبح بالإكراه!
هذا دون أن ننسى أن معظم سكان بلداننا لا يحركون ساكنا حين يتعرض شخص للسرقة أو الضرب، أو حين تتعرض امرأة للتحرش، أو حين تلوث النفايات شوارعنا... لكن معظمهم يتدخل لمعاقبة مفطري رمضان!
الحقيقة أنها ليست قضية تدين بقدر ما هي رغبة في ضبط سلوك الجميع وفي "توحيد الهوية": ما دمت أعرف أنك مسلم، فمن واجبك أن تشبهني في سلوكي وليس من حقك أن تختار أسلوب عيش أو قناعات مختلفة.
لقد قالها لامارتين ذات زمن: "لا قيمة للفضيلة بدون حرية". ولنكررها دائما: لا قيمة للتدين، أي تدين، بدون حرية!
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).