Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

باكستانيون يفطرون في أحد شوارع كراتشي
باكستانيون يفطرون في أحد شوارع كراتشي

د. عماد بوظو/

يقدّم صيام شهر رمضان أحد أوضح الأمثلة حول كيفية قيام رجال الدين بفرض شكل للدين الإسلامي لا يتماشى مع القرآن ولا مع الإسلام أثناء حياة الرسول والخلفاء الأوائل. اقتصر ذكر الصيام في القرآن على أربع آيات من سورة البقرة، "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183) أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (184) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه"... (185)، ثم آية أخيرة تتحدث عن إباحة المعاشرة الزوجية حتى فجر اليوم السابق للصوم، ليصبح الصيام أكثر يسرا من السابق، الذي كان ممنوعا فيه الأكل والجماع من قبل غروب شمس اليوم الأول إلى بعد غروب اليوم التالي.

حسب معنى الآيات على المسلمين الصيام "أياما معدودات"، وهذا يعني لغويّا بين ثلاثة وتسعة أيام كحد أقصى، وبما أن الصيام قد كتب على المسلمين كما كتب على الذين من قبلهم، فبالإمكان تقدير عدد الأيام المقصود من خلال معرفة الصيام عند الديانات الأخرى، فاليهود مثلا يصومون لستة أيام فقط طوال السنة، بينما في المسيحية لا يخصص الكتاب المقدس أياما محددة للصيام ولكن كتقليد كنسي يصوم المسيحيون بالامتناع لساعات معينة عن تناول الطعام والشراب أو الابتعاد لأسابيع عن أنواع محددة من الطعام.

البدعة هي العبادة المحدثة التي لم يأتي بها الشرع

​​كما أن الصيام في اليهودية والمسيحية يترافق مع الصلاة، وفي سورة البقرة 187 "ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد"، مما يدل على أن المسلمين كانوا مثل أتباع الديانات الأخرى يعتكفون للصلاة في المساجد طوال فترة الصيام، ولو كان الصيام لشهر كامل لكان الاعتكاف بالمساجد دون عمل أمرا لا يتماشى مع متطلبات الحياة، ولذلك استبدل رجال الدين الصلوات المرافقة للصيام بصلوات التراويح بعد الإفطار التي يعتبرها كثير من المسلمين بدعة. كما تدل الآية على أن أحد تلك الأيام المعدودات هو أول يوم في شهر رمضان، "ومن شهد منكم الشهر فليصمه"، والمقصود بالشهر هنا الهلال، ومن الطبيعي أن يكون اليوم التالي لليلة القدر التي ورد ذكرها في القرآن والتي أنزل فيها القرآن من بين تلك الأيام أيضا، وهي إحدى الليالي الفردية من العشر الأواخر من رمضان.

والصيام كما توضّح الآيات تطوّعي اختياري، "فمن تطوّع خيرا فهو خير له"، ومن يستطيعون تحمّله ولا يريدون الصيام ففدية طعام مسكين، بشكل لا يتطابق مع كتب التراث التي جعلته فرضا ملزما وحدّا فاصلا بين الإيمان والكفر. وفي محاولة لتبرير هذا التفاوت بين القرآن والحديث ادّعى رجال الدين أن الصيام قد تم فرضه على المسلمين بالتدريج مع اعترافهم بأنه كان اختياريا في البداية؛ قال ابن قيم الجوزية: "لما كان الصوم غير مألوف لهم، فخيّرت بينه وبين الإطعام، ولما عرفت علّته وألفته، حتم عليها عينا، ولم يقبل بها سواه"، رغم أن القرآن يؤكّد أن الصيام كان معروفا عندهم لأنه كتب على الذين من قبلهم.

وعن سلمة بن الأكوع "ولما نزلت الآية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها"، رواه البخاري، أي جعل رجال الدين الآية 185 من سورة البقرة "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" تنسخ الآية 184 السابقة لها تماما من نفس السورة ليتماشى الطقس الديني مع رؤية رجال الدين رغم بعد ذلك عن المنطق، إذ كيف يمكن أن تحمل آيتان متتاليتان تعاليم دينية مختلفة وكيف يكون التدرّج بالأحكام بينهما من دون وجود فاصل زمني بين نزولهما.

الصيام كما توضّح الآيات تطوّعي اختياري، "فمن تطوّع خيرا فهو خير له"

​​وبحسب التقويم القمري الذي كان معمولا به طوال حياة الرسول، كان شهر رمضان يأتي دائما في فصل الخريف الذي يتميز بحرارته المعتدلة وبتساوى فيه طول الليل والنهار، بما يقابل بالتقويم الشمسي شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر، وبما يتوافق مع شهر "تشريه" في العبري، الذي يقع فيه يوم الغفران "يوم كيبور" أهم أيام الصيام في الديانة اليهودية. وفي هذا التقويم كانت الأشهر الحرم "محرم صفر ربيع أول ربيع ثاني" تأتي دائما في الربيع كما يدل اسمها، أي مواسم تزاوج الحيوانات ولذلك كان الصيد محرما فيها، وكانت أشهر الحج تأتي في فصل الشتاء حيث يكون المناخ في مكة مناسبا للحج والتجارة، ولتحقيق ذلك كانوا يضيفون شهرا أطلقوا عليه اسم النسيء كل 32 شهر لتقويم انحراف الأشهر القمرية عن تناوب الفصول، وعملية التقويم هذه ما زال يسير عليها إلى اليوم كل من يعتمدون التقويم القمري في العالم كالصينيين واليهود وغيرهم.

ومع إلغاء النسيء أصبح شهر رمضان ينزاح تدريجيا ليدور على جميع الفصول كل 32 سنة، بحيث يأتي بالشتاء مع طقسه البارد وبالصيف مع المناخ الحار والجاف. يقول رجال الدين المسلمون إن إلغاء شهر النسيء قد تم بعد حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، باعتباره من عادات الجاهلية واعتمادا على تفسير بعضهم للآية "إنما النسيء زيادة في الكفر يضل فيه الذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرّم الله زيّن لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين" التوبة 37.

لكن الباحث الإسلامي نيازي عز الدين يؤكد اعتمادا على حسابات ومقارنة أجراها بين تاريخ معركة اليرموك عند المؤرخين الغربيين مع التاريخ الهجري عند المصادر الإسلامية، أن المسلمين كانوا يضيفون هذا الشهر حتى يوم هذه المعركة، ويقول إن إلغاءه قد تم في مرحلة لاحقة خلال الخلافة الأموية أو حتى بعد ذلك، ربما بسبب انتقال عاصمة الدولة الإسلامية إلى دمشق أو بغداد التي كان سكانها يعتمدون التقويم الشمسي.

كذلك لا يوجد في القرآن أي إشارة إلى عيد الفطر. ومن غير المستغرب أن تكون إضافة هذا العيد قد تمّت بعد فترة من جعل الصيام شاملا لكل شهر رمضان. ومع قدوم شهر رمضان في فصل الصيف الحار والجاف في أغلب البلاد الإسلامية المترافق مع طول فترة النهار، برزت مشكلة الامتناع عن شرب الماء أثناء الصيام، مع ما يحمله ذلك من آثار صحية ضارة على بعض أعضاء الجسم كالجهاز البولي حتى عند الأشخاص السليمين، أو الإعياء وهبوط الدورة الدموية وغيرها من المضاعفات التي شاهدت الكثير منها شخصيا خلال عملي الطبي لأكثر من ثلاثين سنة في سوريا، دون أن تشعر المراكز الإسلامية بأن عليها القيام بأي شيء تجاه ذلك.

مع إلغاء شهر النسيء أصبح شهر رمضان ينزاح تدريجيا ليدور على جميع الفصول كل 32 سنة

​​البدعة هي العبادة المحدثة التي لم يأت بها الشرع، وعند مقارنة ما وصل للمسلمين اليوم عبر كتب الحديث والتراث مع ما هو مذكور في القرآن، نجد ميلا دائما عند رجال الدين لتشديد الأحكام والمغالاة في العبادات والعقوبات عبر القرون، وصيام رمضان الذي جعلوه إلزاميا ولشهر كامل ليس سوى أحد الأمثلة على ذلك، بينما قامت الديانات الأخرى بالتخفيف من طقوسها بما فيها الصيام بما يتلاءم مع مصلحة الصائم وتطورات الحياة.

وجعل رجال الدين المسلمين أي محاولة لطرح أمثال هذه المسائل للبحث والنقاش بمثابة كفر، وحتى الآن لم يمتلك أي رجل دين أو مركز إسلامي الجرأة لتعديل أي تفصيل صغير في أي طقس ديني ليتلاءم مع معطيات العصر، إلا إذا كان الهدف من ذلك التعديل أو الفتوى المزيد من التشدد والتزمّت في تطبيق الدين لأنهم يبدون بذلك وكأنهم أكثر تديّنا والتزاما، بينما يتم رفض أي دعوة للتخفيف عن المسلم والتشكيك بها، مع أن هذا يتناسب مع روح النص القرآني الذي تعبّر عنه الآية "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات