"ناقصات العقل والدين يتغطوا، عشان كامل الدين والعقل مش قادر يمسك نفسه"، كتبت إحداهن في رد جميل وممتع ولاذع على حملات "غطي بنتك، خلي الناس تعرف تصوم".
منذ بضع سنوات، ومع كل مطلع رمضان، يطلق البعض حملات مشابهة تدعو الرجال لتغطية "بناتهم" و"نسائهم" حتى يتمكن هؤلاء من الصيام بدون إغراءات. طبعا، فالخطاب ليس موجها للمعنيات بالأمر، بل لمن يعتبرهم منسقو هذه الحملات أوصياء على النساء. على الرجال أن يتخذوا القرار في حق بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم من النساء، لأن هؤلاء قاصرات، مهما بلغ عمرهن، ولأن الرجل يقرر تغطيتهن، وإلا كان "ديوثا".
العجيب أن ذلك الرجل القادر القوي العاقل المتدين المؤمن الكامل المكتمل، يزعزع صيامه أن يرى شخصا آخر يأكل بحضوره، ويزعزع صيامه أن يرى امرأة ترتدي بنطلونا ضيقا أو تنورة (علما أن نساء كثيرات تعرضن للعنف أو التحرش أو الاغتصاب، دون أن تكون ملابسهن ضيقة ولا قصيرة) ويزعزع صيامه أن يعلن شخص آخر أنه اختار دينا آخر غير الإسلام (أو اختار عدم التدين أساسا) ويزعزع صيامه نقاش عن الموروث الديني أو عن حرية المعتقد.
متى سيقتنع الرجل المسلم أن تدينه خاص به، ويفترض أن يمارسه بكامل إرادته، بعزيمة خاصة به، بقناعات خاصة به. لا يمكنك أن تطلب من الآخر أن يمارس سلوكا معينا لكي تدخل أنت الجنة. لا يمكنك أن تفرض على الآخر الصوم (أو التظاهر به في الشارع العام، كما ناقشنا ذلك في المقال السابق: "الأكل ليس جريمة") كي تدخل أنت الجنة. لا يمكنك أن تفرض على النساء زيا معينا كي تدخل أنت الجنة.
أين إيمانك في كل هذا، إذا كنت تحتاج لضبط سلوك الآخرين والتحكم فيه، حتى يتحقق لك شرط التدين؟
ثم، هذا الهوس بأجساد النساء، لماذا لا نجده بهذه الشدة إلا في المجتمعات التي يعطى فيها للرجل "حق" تغطية أجساد النساء؟ لماذا توجد أعلى نسب التحرش في بلدان كمصر وأفغانستان، ولا نجدها في السويد والدانمارك؟ لماذا يعتبر سكان الدول المتقدمة بأن التحرش جريمة يعاقب عليها القانون وتعاقبها التمثلات المجتمعية؛ بينما في مجتمعاتنا، قد نقوم بكل شيء حتى نحمي الجاني: نسائل ملابس الضحية ووقت خروجها ومكان وجودها وتنفسها وابتسامتها ولون حقيبة يدها.
حسب دراسة أنجزتها الباحثة المصرية رشا محمود حسن تحت عنوان: "غيوم في سماء مصر"، فإن 72،9٪ من النساء المصريات اللواتي يتعرضن للتحرش بشكل يومي، يلبسن الحجاب أو النقاب. نعم! 72،9٪ من ضحايا التحرش الجنسي اليومي... محجبات أو منقبات.
وما زال الأخ العزيز مصرا أنه، على زميله وجاره وابن عمه أن "يغطي ابنته عشان الناس تصوم"! ما زال غير مقتنع أن المشكلة ليست في لباس ابنة جاره بل في الهوس المرضي الذي يعاني منه ويعاني منه الآلاف من الرجال حوله (مع الشكر طبعا لكل للرجال المحترمين الذين لا يوجدون ضمن هذه الخانة).
الكارثة الأخرى هي حين تروج بعض النساء لهذا الخطاب الذي يجعل جسدهن جريمة ويجعل غطاءهن شرطا لسلامة صيام وتدين الرجل.
لعلنا نحتاج لعقود كي نقتع بأمر في غاية البساطة: من حق أي كان أن يكون متدينا. من حق أي كان أن يمارس معتقداته الدينية. لكن، ليس من حق ذاك الشخص أن يفرض التدين أو الممارسة الدينية على الآخرين. ليس من حقه أن يشترط على الآخرين سلوكيات معينة حتى يكتمل تدينه... وفوق كل هذا، من واجب الدولة أن تحمي تدين البعض... لكن أيضا عدم تدين البعض الآخر أو، بكل بساطة، اختياراتهم المختلفة. التدين وعدم التدين اختيار شخصي وليس للدولة أن تتدخل فيه سلبا أو إيجابا؛ وإلا، فهي توسع من هوامش التسلط الديني للأفراد!
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).