في مدينة العرائش، شمال المغرب، ذبح أب ابنته المراهقة التي كانت تبلغ من العمر حوالي 16 سنة، بسبب رسائل واتساب كانت تتبادلها مع حبيبها، قبل أن يكتشفها الأب.
إلى هنا، نحن أمام جريمة بشعة تطرح أمامنا مجددا كل أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في عدد من بلداننا، وتطرح أيضا إشكالية الوصاية التي تمارسها العقلية الذكورية على المرأة من طرف المجتمع عموما، ومن طرف أفراد الأسرة على وجه الخصوص.
عقلية تمنح للرجال كل الحقوق على النساء، بما فيها الحق في سلب حيواتهن إن ارتأوا أن "هناك ما يبرر لهم ذلك"، تحت ذريعة الشرف والأخلاق.
بالفعل، تعتبر ظاهرة جرائم الشرف شبه منعدمة في المغرب. حالات مثل ما وقع في العرائش تبقى استثنائية. لكن حدوثها، مهما كان استثنائيا وغير شائع، يطرح إشكالات عدة تتعلق بالعلاقة بين الجنسين والسلامة الجسدية والوصاية الذكورية وغيرها.
ثم، من منظور أخلاقي محض، إذا كان الأب، ومعه آخرون، يعتبرون أن سلوك الفتاة غير أخلاقي؛ فهل يكون القتل أخلاقيا؟ أيهما أفظع، تبادل رسائل من طرف مراهقة مع شخص تعتبره حبيبها، أم القتل والذبح؟
الكارثة لا تتوقف هنا، إذ أن الخبر الذي نشرته بعض الجرائد الورقية والإلكترونية في المغرب، تلقى عشرات التعليقات المخيفة والمرعبة... تعليقات تشيد بالأب وبجريمته، وتجد له الأعذار. هناك من اعتبره "رجلا فذا دافع عن شرفه" وهناك من تعاطف معه "بسبب تربية البنات الصعبة التي قد تجعل أبا يدخل السجن" وهناك من لام الضحية على أخلاقها، لأنها بذلك تسببت في ارتكاب الأب للجريمة!
في كل الجرائم عبر الكون، يعتبر القاتل مجرما... إلا عندنا، حين يقتل رجل زوجته أو ابنته، فنحن نعتبره ضحية ونعتبر القتيلة مجرمة لأنها تسببت في فقدانه لأعصابه، مما "اضطره" لقتلها!
مجتمع تنقلب فيه كل المعايير: حين تحدث جريمة إرهابية في أي بقعة من العالم، نجد جحافل المعلقين تبرر الجريمة بسياسيات حكومية وبالقهر وبالفقر وبالمؤامرة وبكل ما يمكن من عبث. بل وتوجه اللوم لمن يتضامنون مع الضحايا أو يدينون الإرهابيين!
حين يقتل رجل زوجته في أي بلد في العالم، يعتبر الأمر جريمة. بل إن جرائم قتل النساء بسبب انتمائهن الجنسي من طرف الزوج أو الزوج السابق أو الخطيب، تحمل اسما في معظم اللغات اللاتينية (féminicide \femicide \feminicidio \femminicidio). تسميات تعترف، ابتداء من اللغة، بنوعية معينة من الجرائم تكون فيها المرأة ضحية لاعتبارها أنثى.
أما عندنا، فحين يقتل رجل زوجته أو يذبح ابنته، وحتى قبل أن نعرف السبب (وكأن هناك أسبابا تجيز القتل)، يعتبر كثيرون، نساء ورجال، أنه بالتأكيد عرف منها سلوكا مشينا دفعه لقتلها. هكذا، تصبح القتيلة مسؤولة... ويصبح القاتل مظلوما يستحق التعاطف.
ومرة أخرى، سيأتي علينا من يقول بأنه، حتى في الغرب المتقدم، هناك جرائم قتل ضد النساء. هذا صحيح. في بلجيكا مثلا، سنة 2018، كان عدد النساء ضحايا جرائم قتل النساء (femicide) أكبر من عدد ضحايا الإرهاب. إيطاليا أيضا تعرف أرقاما مهولة لجرائم القتل ضد النساء من طرف الأقارب.
لكن الفرق أنهم، هناك، يدينون جرائم القتل تلك مجتمعيا وقانونيا. هناك أبحاث علمية ومقالات صحافية مخصصة للموضوع. هناك إدانة كبيرة. وهناك، خصوصا، لن يجد المجرم ذاك التعاطف الغريب الذي نجده عندنا. لن يعتبر أحد أن الضحية مسؤولة عن ما يقع للقاتل المسكين الذي بسببها، أصبح مجرما وسيدخل السجن.
الخلاصة المرعبة لكل هذا هو أن أشخاصا يدافعون عن القاتل ويجدون له التبريرات، هم أشخاص قد يقتلون إذا ما أتيحت لهم الظروف لذلك! لنتأملها...
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).