د. عماد بوظو/
تدريس الثقافة الجنسية في المدارس ليست فكرة حديثة. مضى على تطبيقها في بعض الدول عقود عدة، ولكن الحاجة إليها أصبحت أكثر إلحاحا خلال السنوات الأخيرة نتيجة الثورة المعرفية وتطور شبكة المعلومات ووسائل التواصل.
إذ أصبح بإمكان الجميع، حتى الأطفال، الدخول إلى مواقع تتضمن محتويات جنسية غير خاضعة لأي رقابة بصورة قد تلحق ضررا بالأطفال والمراهقين من الجنسين. وكانت الطريقة التي توصل إليها خبراء وأخصائيون من عدة دول حول العالم لتوعية الجيل الجديد هي تدريس الثقافة الجنسية في المدارس كمادة أولية مثل بقية المواد الأكاديمية.
يدور النقاش حاليا حول السن الأفضل أن تبدأ الدراسة فيه، ومن يجب أن يقوم بهذه المهمة، وما هي المناهج التي سيتم تدريسها في كل مرحلة، وما هي مؤهلات من سيقوم بوضعها.
وفي عام 1995 أصدرت الأمم المتحدة وثيقة بكين، التي نصّت على تدريس مادة بعنوان الثقافة الجنسية تدور حول الجنس الآمن، وتحفّظ على تدريس هذه المادة بعض رجال الدين المسلمين معتبرين أن ذلك لا يتوافق مع الأعراف والأخلاق الإسلامية كما اعترض الأزهر على وثيقة بكين بذريعة أن "الأمم المتحدة تحاول فرض النمط السلوكي الغربي على بقية المجتمعات متناسية خصوصية المجتمعات الأخرى".
هناك توجّه عالمي حاليا لتدريس بعض جوانب هذه المادة ابتداء من المرحلة الابتدائية، لأن أغلبية الأطفال من سن التاسعة يمتلكون هاتفهم الخلوي الخاص وأغلبهم يزور مواقع إباحية قبل إنهاء المرحلة الابتدائية، وطلب من ثلثيهم إرسال صور جنسية لأنفسهم أو لأعضائهم الحميمة قبل أن ينهوا الدراسة الثانوية، وخلصت دراسة أجرتها جامعة ميدليكس في بريطانيا لصالح NSPCC إلى أن 48 في المئة من المستطاعين ممن أعمارهم بين 11-16 شاهدوا موادا إباحية عبر الإنترنت.
وساهمت الموجة العالمية الحالية لتشجيع كل من تعرض للتحرش أو الاعتداء الجنسي للتصريح عن ما حدث معه، وما نتج عن ذلك من سيل من الاعترافات، بالدعوة لتدريس الثقافة الجنسية في المرحلة الابتدائية. خصوصا أنه أصبح بالإمكان تقدير نسبة ومدى انتشار حوادث التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال من الجنسين، والظروف التي تساعد على حدوثها، حيث تبين أن الأشخاص المحيطين بالطفل هم من يقوم بها في أغلبية الحوادث ويكون اعتمادهم الرئيسي في حصولها واستمرارها على المحافظة على سريّتها، على خشية الطفل من إخبار أحد عنها نتيجة طريقة تربيته التي أحاطت المواضيع الجنسية بجو من التعتيم والتجاهل من قبل الوالدين باسم العيب، مما ساعد ـ بشكل غير مقصود ـ المتحرّش للقيام بما يريد دون أن يتجرأ الطفل على البوح بما حدث معه خوفا من أهله قبل غيرهم. وبذلك فإن من أهداف التثقيف الجنسي في المرحلة الابتدائية هو حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية.
في المرحلة الإعدادية والثانوية تهدف الثقافة الجنسية إلى توعية المراهقين والمراهقات حول بعض المضاعفات التي قد تحدث نتيجة العلاقات الجنسية كالحمل أو الأمراض المنقولة بالجنس، وتقديم رأي علمي حول بعض الممارسات كالعادة السرية.
لكن هذا لا يعني التشجيع على الممارسة الجنسية ولا منعها، فهذا ليس في مقدور المدرسة أو الأسرة، لأن النصائح الأخلاقية والدينية قد لا تكون كافية للتغلب على الرغبة الجنسية في هذا السن.
ومن المفيد إيجاد طرف خبير وموثوق في المدرسة يستطيع المراهق اللجوء إليه وأخذ النصيحة الملائمة منه حول الأمور الجنسية حتى في أدق التفاصيل التي قد لا يكون الحديث فيها سهلا مع الأم أو الأب، بالإضافة إلى أن أغلب الأهل قد لا يملكون المعرفة والثقافة الكافية للإجابة على مثل هذه التساؤلات بما يحقق مصلحة المراهق في هذه المرحلة الحساسة من حياته.
وتساعد التربية الجنسية على توجيه المراهق بحيث يدرك حقوقه وكيفية دفاعه عن نفسه في وجه أي عنف، وتنبيهه إلى ضرورة الحصول على رضى الطرف الآخر، وما الذي تعنيه الموافقة في العلاقات الجنسية، وكيف يمكن تمييز العلاقة الاستغلالية وما هي سبل الحماية منها في الواقع أو عبر الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك تقدم دراسة الثقافة الجنسية معلومات من الأفضل للرجل والمرأة معرفتها بغض النظر عن العمر، مثل مواصفات الحياة الجنسية السليمة، وكيف يمكن أن يشعر طرفاها بالرضى والاكتفاء.
ففي المنطقة العربية يقدم بعضهم على الزواج دون أن يعرفوا ما يكفي من المعلومات حول أنجح السبل لبناء علاقة جنسية صحيّة، ومن الرجال مثلا من لم يكن يعرف أن المرأة يجب أن تصل إلى المتعة خلال العلاقة الجنسية، وما الذي عليهم فعله حتى تكون العملية مشتركة ومتكاملة بحيث تنعكس على الطرفين بالرضا والثقة؛ أو ما هي أسباب وعلامات البرود الجنسي عند الرجال والنساء وهل هناك حالات قابلة للمعالجة وما هي الوسائل والطرق التي تساعد في ذلك؟ ومدى أهمية الانسجام بين الطرفين، وضرورة أن يعبّر كل طرف بصراحة وبدون خجل عن ما يحبه ويفضّله من ممارسات أو وضعيات قبل وخلال العملية الجنسية حتى تكون العلاقة ممتعة للطرفين.
اتفق المختصون في شؤون التربية على أن تتولى مجموعة من الأطباء وخبراء الجنس والأخصائيين النفسيين وعلماء الاجتماع والقانونيين تحضير المناهج. في المقابل، يرى بعض رجال الدين المسلمين أن مدرّسي التربية الدينية هم الذين يجب أن يقوموا بهذه المهمة دون توضيح المؤهلات التي يمتلكونها للقيام بذلك. ويمكنني، استنادا إلى عملي الطبي لثلاث عقود في سوريا، القول إن نسبة رجال الدين الذين كانوا يطلبون المشورة نتيجة شكاوى وتساؤلات جنسية لا تختلف وربما أكثر من سواهم.
كما يفضل جزء من رجال الدين المسلمين أن لا يتم تدريس الثقافة الجنسية كمادة منفصلة لأنهم يظنون أنها بذلك تلفت النظر ويصبح هدفها "التمتع والإثارة"، لأنهم ينظرون إليها وكأنها دروس إباحية، ويريدون أن يتم توزيعها على عدة مواد مثل التربية الإسلامية والعلوم والثقافة المنزلية، كما يفضلون أن يتم تدريسها في المرحلة الجامعية، أي بعد فوات الأوان. واختصر موقع "الإسلام سؤال وجواب" أسباب رفض هؤلاء لتدريس هذه المادة: "لأن فيها عدة مفاسد مثل تعجيل النمو الجنسي، وانتشار حمل الطالبات سفاحا، وازدياد حالات الاغتصاب، وانتشار القتل نتيجة التنافس على عشق الطالبات بين الطلاب والأساتذة، والسعي لتطبيق الدروس عمليا مما يؤدي للسعار الجنسي"، بما يوحي أنهم استقوا معلوماتهم من أحد الأفلام بعد أن أضافوا إليه مسحة من الهوس بالجنس.
ليس المطلوب النقل الحرفي للمناهج الغربية وتدريسها في مدارس الشرق الأوسط، رغم أنه لا بد من الاسترشاد بها لأن كل ما يحدث في بقية العالم، من تحرش واعتداء على الأطفال، يحدث في المجتمعات الإسلامية، لكن سبب نسبة التبليغ المنخفضة عنها هو أن درجة الجرأة في هذه المجتمعات لم تصل بعد إلى مرحلة كشف الغطاء عنها، ومن الممكن طرح قضية تدريس الثقافة الجنسية على الرأي العام لمناقشتها مثلما تفعل بقية الشعوب، بدل التسليم بما يروّجه الإسلاميون من أن تدريس هذه المادة هو مجرد اقتداء أعمى بالغرب، لأن مصلحة الأطفال والمراهقين وحمايتهم هي الأساس وهي الغاية.
اقرأ للكاتب أيضا: مسؤولية الإعلام العربي عن هزيمة 1967
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).