لاعبو المنتخب الجزائري يحتفلون بفوزهم على السنغال
لاعبو المنتخب الجزائري يحتفلون بفوزهم على السنغال

رياض عصمت/

ربما تكون الذاكرة قد خانتني، لكنني لا أذكر أنه صادف اجتماع كل هذا العدد من بطولات كرة القدم في العالم في وقت واحد! بطولة كأس أمم أفريقيا المقامة على أرض مصر، بطولة "كوبَّا أميركا" لدول أميركا الجنوبية المقامة على أرض البرازيل، بطولة كأس العالم للسيدات في كرة القدم المقامة على أرض فرنسا، بطولة "غولد كاب" (أو "الكأس الذهبي") لدول أميركا الشمالية والوسطى. أخيرا، بطولة أوروبا لسن تحت 21 سنة.

وهناك في المستقبل تصفيات كأس آسيا القادمة، التي تشارك فيها عدة منتخبات عربية، والتي قيل عنها على سبيل الدعابة: "لو أن الرئيس ترامب سحب بطاقات القرعة لتصفيات كأس آسيا، لما جاءت النتائج غير ذلك!" بالفعل، أوقعت المصادفة الفرق الأربعة التالية في مجموعة واحدة: السعودية وقطر وإيران وسوريا! صحيح أن البطاقات الصفراء، وربما الحمراء أحيانا، ستقي الملاعب من عنف غير رياضي الروح في تلك المنافسات، ناهيك عن التعليمات الحازمة من مدربي الفرق وإدارييها للالتزام بالروح الرياضية، لكن حماسة الجماهير لن تسلم من العصبية القومية وسط الخلافات السياسية المستعرة أو التحالفات المستترة بين هذه الدول الأربع، وإن كنا نستبعد أن تتسبب المشاعر المتأججة بحرب كالتي جرت ذات يوم بين السلفادور وهندوراس.

فريق الجزائر، بدا بصورة متكاملة ورائعة، وقدم أداء محترفا قويا

​​تقام بطولة السيدات كل أربعة أعوام، أما بعض البطولات الأخرى كل سنتين أو كل سنة. هذا هو السبب لتزامن كل هذه البطولات استثنائيا في فترة واحدة هذا العام. أغنى الزخم الإعلامي الشديد والمكثف، والنقل المباشر للمباريات، وتحليل وتعليق كبار المعلقين من الإعلاميين الرياضيين والحكام المتقاعدين، متابعة الملايين من المشاهدين لمختلف البطولات عبر أقنية تلفزيونية فضائية عديدة. يمكن أن تكتب ملاحم عن الأداء الكروي عند بعض الفرق، الرجالية والنسائية، وعلى بريق بعض نجوم الكرة.

لا شك أن المعلقين الرياضيين سيتحفظون على استخدام تعبير "أداء رجولي"، لأن أداء سيدات عديد من الفرق العالمية ـ بالرغم من ارتفاع نسبة الجمال بين اللاعبات ـ لا يقل قوة وسرعة ومهارة عن الرجال. فإذا أرادت المعلقات النساء المساواة، يفترض أن يستخدمن عند وصف مهارة أداء اللاعبين الذكور تعبير "أداء أنثوي".

بالفعل، يلفت النظر في بطولة العالم النسائية لكرة القدم نعومة تعامل اللاعبات مع صافرات الحكام النساء عند ارتكاب "فاول"، واعتذار اللاعبات بلباقة من زميلاتهن عن أية خشونة غير متعمدة، وربما مساعدتهن للنهوض من عثراتهن ومواساتهن عقب خسارة المباراة. كان الاستثناء الوحيد الصارخ هو سلوك فريق الكاميرون النسائي خلال مباراته العنيفة مع فريق إنكلترا، والتي حفلت بتصرفات بعيدة عن روح التنافس الرياضي ومختلفة عن السلوك الحضاري الراقي للاعبات في الفرق النسائية الأخرى من أوروبا وآسيا وأميركا وأستراليا وأفريقيا، وأخص بالإشادة الاسكندنافية من بينها.

كانت بعض نتائج المباريات صاعقة، كما عندما خسرت اسكتلندا مباراتها مع الأرجنتين بعد تقدمها بثلاثة أهداف، فذرفت لاعبات اسكتلندا الدموع غزيرة. كانت مفاجأة البطولة فوز إيطاليا في عدة مباريات، وخسارة أستراليا وألمانيا القويتين في بعضها الآخر.

أبلى فريق الولايات المتحدة النسائي بلاء حسنا، واستطاع إقصاء فرنسا على أرضها وبين جمهورها بنتيجة 2 ـ 1، ليغدو بين أقوى الفرق المرشحة لنيل البطولة. جدير بالذكر أن المنتخب الأميركي النسائي بدأ مشواره بالتغلب على منتخب تايلاند بنتيجة 13 ـ 0. إضافة للاعبته القديرة مورغان، استطاعت لويد وبريس التسجيل ببراعة، أما اللاعبة رابينو فخطفت الأنظار وسجلت هدفين في المرمى الفرنسي لتصبح إلى جانب مورغان من أهم المرشحات لنيل لقب هدافة البطولة. انتهت المنافسة بين المنتخبين الأميركي والإنكليزي بفوز الأول 2-1، وذلك بعد أن كادت هدافة الإنكليز إلين وايت أن تحقق التعادل بإحرازها هدفا ثم إلغاء هدف ثان لها بداعي التسلسل، وكسبت ضربة جزاء لصالح إنكلترا أهدرتها زميلة لها بفضل براعة حارسة المرمى الأميركية. (لا نعلم حتى انتهاء مباراة هولندا والسويد من سيواجه الفريق النسائي الأميركي في النهائي.

أحيط منتخب مصر في بطولة كاس أفريقيا بقدر هائل من الدعاية الإعلامية

​​تخوض الولايات المتحدة بفريق الرجال بطولة "غولد كاب"، وأحرز الفريق الأميركي نتائج طيبة جدا تبشر بأن تنافس رياضة كرة القدمSoccerجماهيريا رياضة كرة القدم الأميركية ورياضة البيسبول ورياضة كرة السلة الأميركية. هذا أمل قديم متجدد، يدعمه استقدام المنتخب الأميركي مدربين مشاهير مثل اللاعب الألماني السابق كلينزمان، ولاعبين من كبار نجوم العالم، من بيكهام إلى إبراهيموفيتش.

كانت إحدى أبرز المواجهات الكروية تلك المباراة التي جمعت الأرجنتين بالبرازيل على أرض الثانية، والغريب أن ساحر الكرة ليونيل ميسي، رغم أدائه المتميز في هذه المباراة بالذات، ورغم اقترابه من فرص التسجيل، لم يستطع إحراز أي هدف في البطولة كلها. كذلك، لم يستطع أغويرو التسجيل في هذه المباراة الحاسمة بين الجارين العملاقين في كرة القدم. فازت البرازيل 2 - 0 ووصلت إلى النهائي وستواجه بيرو التي نالت كأس هذه البطولة مرتين مثل تشيلي وباراغواي، وقد فازت الأورغواي بالكأس من قبل 15 مرة، والأرجنتين 14 مرة، والبرازيل 8 مرات، في حين أن كولومبيا وبوليفيا فازتا بالكأس مرة واحدة.

أحيط منتخب مصر في بطولة كاس أفريقيا بقدر هائل من الدعاية الإعلامية، سببها الأول إقامة البطولة على أرض مصر، وثاني أسبابها وجود اللاعب العالمي الموهوب محمد صلاح في عداد الفريق، وهو نجم ليفربول وهداف إنكلترا الحائز على عدة ألقاب إنكليزية وعالمية. استطاع محمد صلاح حتى لحظة كتابة هذا المقال تسجيل هدفين رائعين، حتى قيل إنه يجسد "روح الفريق المصري".

تألق حارس المرمى محمد الشناوي منقذا مرماه من عديد من الأهداف، خاصة في مباراة مصر مع فريق أوغندا القوي. كذلك، تألق كابتن الفريق المصري المحمدي، والمهاجم تريزيغيه، والمدافعين الحجازي ومحمود علاء. ينتظر فريق مصر عودة اللاعب عمر وردة بعد تسوية قضية التحرش الجنسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي المثارة ضده والتي تسببت بعقوبة إقصائه عن المنتخب في الدور الأول. رغم انتصارات فريق مصر الثلاث في جميع مبارياته، ظل إجماع المعلقين الرياضيين على أن الفريق لم يلعب سوى بنصف مستواه المألوف، بحيث انتظرت الجماهير منه أداء أفضل يصحب النتائج الطيبة في الدور الثاني، لكنه خرج من البطولة على يد جنوب أفريقيا.

على نقيض فريق مصر، عاند الحظ منتخب تونس، رغم أنه يعتبر في عداد المنتخبات العربية القوية، فانتهى إلى التعادل في مبارياته الثلاث خلال الدور الأول، وكان الغريب أن يتعادل مع موريتانيا، في حين كان المتوقع أن يفوز لحداثة عهد موريتانيا بالمشاركة في هذه البطولة. المأمول أن ينقلب الحظ إلى الأفضل في دور الـ 16، وينتزع فريق تونس نتائج تليق بسمعته العريضة بين فرق أفريقيا.

أبلى فريق الولايات المتحدة النسائي بلاء حسنا، واستطاع إقصاء فرنسا على أرضها وبين جمهورها

​​أما فريق الجزائر، فبدا بصورة متكاملة ورائعة، وقدم أداء محترفا قويا. استطاع التغلب على السنغال في واحدة من أجمل المباريات، رغم كون السنغال أحد أقوى الفرق المشاركة في البطولة. لمع من الفريق الجزائري نجمه رياض محرز، إضافة إلى محمد يوسف بلايلي وآدم أوناس وإسلام سليماني وبغداد بونجاح، مذكرين بأمجاد نجم الجزائر الأسبق رباح مدجر. أثبت فريق الجزائر، بالفعل، أنه أحد المرشحين الكبار في المنافسة على كأس أفريقيا.

حالف النجاح فريق المغرب، الذي انتزع الإعجاب بأدائه القوي، وبأنه لعب لعبا جماعيا، لا فرديا. أعتقد أن الفريق ينقصه حسن التهديف، لكنه حاول أن يعوضه بالتفاهم والانسجام. فاز المغرب بجميع مبارياته، وتصدر فرق مجموعته، لكنه خرج في الدور الثاني.

مفاجآت مهرجان كرة القدم الكبرى هي الأداء المدهش لفرق تمثل دولا صغيرة المساحة وعدد السكان، دول مثل كورساو، مدغشقر وهايتي. بصعوبة بالغة، تمكن فريق المكسيك القوي من انتزاع هدف بضربة جزاء من منتخب هايتي، وكذلك فرق أخرى عريقة لدول كبرى مع منتخبي مدغشقر وكورساو. أخيرا وليس آخرا، رغم أن منتخبي قطر واليابان ليسا جغرافيا ضمن دول أميركا الجنوبية، فقد دعيا للمشاركة لتكملة عدد المجموعات المتنافسة، فأبليا بلاء حسنا وأثبتا مقدرة طيبة. هكذا، بغض النظر عن نتائج منتخب قطر، فإنه قدم أداء جيدا. وبالرغم من عدم تجاوزه الدور الأول، خرج الجمهور بانطباع جيد عن بطل آسيا، الذي سيخوض مباريات كأس العالم القادمة في العام 2022 على أرض قطر.

اقرأ للكاتب أيضا: التشاؤم أم التفاؤل

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات