نساء سوريات يحيين اليوم العالمي للمرأة
نساء سوريات يحيين اليوم العالمي للمرأة

كوليت بهنا/

ما إن نشرت إحدى السيدات السوريات صورتها على "فيسبوك"، انهالت عليها التعليقات المسيئة التي تطعن في شرفها وأخلاقها، ولم تكتف بعض التعليقات بالإساءات الشخصية، بل نُسخت صورتها وتم تبادلها على بعض الصفحات، ليرتفع عدد التعليقات المسيئة خلال دقائق إلى الآلاف.

سبب هذا الاعتداء اللفظي الصارخ على السيدة، هو صورتها الجديدة التي أعلنت فيها تخليها عن الحجاب، وهي سيدة شابة ومتزوجة، هربت قبل ثمان سنوات مع عائلتها إلى مدينة أورفا التركية، تحمل شهادة الماجستير في الرياضيات وتعمل كأستاذة في عدد من المدارس، وتعطي دروسا خاصة مجانية للطلاب في عدد من مخيمات اللاجئين، إضافة إلى نشاطها المشهود له في مواكبة عمليات الإغاثة وتقديم كل أشكال الدعم النفسي والمعنوي لأبناء بلدها في الخارج، وبدت في الصورة التي نشرتها بدون حجاب، ترتدي ملابس محتشمة، وقد علقت ببهجة واضحة إن شعرها يرى الشمس للمرة الأولى.

هناك ظلم تدفع ثمنه النساء مهما فعلن، بمنعهن من حق التعبير والاختيار

​​كل ما تقدم من مواصفات حميدة ارتبطت بهذه الشابة طوال السنوات الماضية، أسقطه المعلقون المسيؤون الذين يعيشون بمجموعهم بين تركيا ودول اللجوء الغربية، ومحوا تاريخها المضيء وكأنه لم يكن، واتهموها بدم بارد بالانحراف والانحلال الأخلاقي الذي يعيشه الغرب، ومنه تركيا العلمانية، واعتبروها مشاركة مضلَّلة وفاسدة في حملة الغرب الصليبية الجديدة ضد الإسلام وحجاب المرأة. لم يكتفوا بما تقدم، بل توعدوا بقصاصها أشد قصاص، وشنوا هجوما أكثر شراسة على زوجها وأهلها وكل أقاربها.

قبل عامين أيضا، تخلت سيدتان سوريتان عن حجابيهما، الأولى في السويد والثانية في ألمانيا؛ وبدورهما، تحمل كل منهما شهادة دراسية عليا، وتعملان كناشطتين نسويتين مع عدد من منظمات المجتمع المدني وتقومان بتقديم كل أشكال الدعم للاجئين، وتعرضتا، ولا تزالان تتعرضان، إلى هجمات إلكترونية مسيئة تتوعد قصاصهما، وتطعن في شرفيهما، وتنكل بهما أشد تنكيل معنوي مستمر.

تنتمي الشابات الثلاث إلى خلفيات أسرية عريقة معروفة وبيئات اجتماعية سورية مختلفة، وهي مجتمعات، وإن اختلفت بالجغرافيا، إلا أنها لا تختلف بالأعراف والتقاليد الاجتماعية إلا بنسب متفاوتة. ويعتبر حجاب المرأة فيها جزءا أصيلا لا يتجزأ من النسيج الديني والاجتماعي. 

عن الانتماء لهذه البيئة، تشرح الشابة الأولى القادمة من مدينة دير الزور، بأنها وضعت الحجاب في سن صغيرة عن دون قناعة، لكن أيضا بدون إكراه، وببساطة تفسر حجابها بأنه سلوك اجتماعي يتماهى مع احترام أهلها للتقاليد الاجتماعية العامة، أما اليوم فهي تعيش في بيئة مختلفة طورت وعيها السياسي وقناعاتها بالعلمانية، وأقنعت زوجها وأهلها دون صدام، مؤكدة إنها ما زالت تمارس شعائر الدين الإسلامي الذي تجلّه وتحترمه كمسلمة مؤمنة، دون أن تجد أن قطعة القماش التي تغطي رأسها هي التعبير أو الدليل الدامغ على تدينها. وختمت أن جوهر ما أقدمت عليه، هو مشاعرها الإيجابية بتمكنها من ممارسة حرية التعبير واختيار شكل الحياة التي تريدها.

تخلع النقاب بعد تحرير منبج من داعش
تخلع النقاب بعد تحرير منبج من داعش

​​فيما خلصت الشابة التي تعيش في فرنسا وتعمل كناشطة سياسية في مجال حقوق الإنسان، وحقوق النساء السياسية منها بشكل خاص، بأن تخليها عن الحجاب الذي فرض عليها بالعنف، ثورة اجتماعية مرادفة لا تقل أهمية عن ثورتها العامة، وبأنها بحكم انتمائها إلى ريف دمشق المتعصب، ناضلت ولا تزال ضد كل أشكال الاستبداد، والسعي إلى حرية التعبير والاختيار الذي يتضمن الحرية الدينية. 

أما السيدة الثالثة التي تنتمي إلى بيئة مدينة درعا وتعيش اليوم في ألمانيا، ورغم أنها لم تحد كثيرا عن رأي زميلتيها، إلا أنها أوضحت بصراحة أكبر إنها تعيش في مدينة تنشط فيها جماعات اليمين الألماني المتطرف، وتشعر دوما بنظرات العداء والكراهية لحجابها وعائلتها، وأرادت أن تتخلص من الشعور الدائم بالخوف وتبدي اندماجا شكليا في المجتمع الذي فرض عليها بسبب واقع اللجوء.

تنوعت المجتمعات البشرية بعاداتها وتقاليدها منذ بدء نشوئها، اندثر بعضها لأسباب مختلفة، فيما حافظت العديد منها على تقليد الزي الخاص بها، مما شكل جزءا من هويتها العرقية أو الدينية أو الفلكلورية المتميزة عبر مئات السنين. تنوعٌ كان ولا يزال يعزز مفهوم وحق الاختلاف الإيجابي، ويمنح اللوحة البشرية الفسيفسائية بعدا أكثر نبلا وجمالية.

لا يخرج الحجاب، باختلاف أشكاله وبيئاته، عن هذا التنوع العالمي بصفته بات رمزا يخص هوية مسلمات العالم الدينية، لكنه، وبشكل استثنائي وحاد، لا يزال الاقتراب من النقاش بشأنه إشكاليا، ويمنع أو يحرم الحديث عنه مثل "تابو" لدى الأغلبية المسلمة، رغم أن مجتمعات مشرقية دينية قبل الإسلام، ارتدت نساؤها شكلا من أشكال الحجاب بصفته زيا تقليديا واجتماعيا أكثر مما هو ديني، أو قبل أن يتحول إلى زي يشير إلى هوية دينية، ولا يخلق الحديث بشأنها حساسيات كتلك التي تحدث لدى المسلمين.

حرية التعبير والاختيار المعززتان بالوعي الذاتي، هما البوصلة المفتقدة

​​في الوقت ذاته، يتعرض مفهوم الحجاب وصاحباته من الجانب المناهض له، بصفته رمزا يشير إلى الهوية الدينية الإسلامية، إلى ممارسات عنصرية ورؤية بغيضة لا تخرج عن مفهوم "الإسلاموفوبيا" المنتشر في السنوات الأخيرة، والذي تدفع المحجبات في مواجهاتهن اليومية والمستمرة له أثمانا معنوية ظالمة، ويتعرضن لكل أشكال التمييز والتعسف والكراهية العابرة للقارات.

في الحالتين، هناك ظلم تدفع ثمنه النساء مهما فعلن، بمنعهن من حق التعبير والاختيار واحترام هذا الحق من جميع الأطراف، وهو ملخص ما عانت منه السيدات الثلاث وأردن أن يوصلنه بشجاعة، بحيث تصير حرية التعبير والاختيار المعززتان بالوعي الذاتي، هما البوصلة المفتقدة، دون إكراه أو تعنيف، في أية حالة يرغبن بها، وأينما كانت البيئة التي يعشنها، وأيا كانت القضية.

اقرأ للكاتبة أيضا: شيخ وقور بمعطف طويل يؤدي النشيد الأميركي

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات