Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

رجل يتسول وسط الرباط
رجل يتسول وسط الرباط

د. ابتهال الخطيب/

الفقر وقح، كريه، يفحّ كأنه حية، يفوح كأنه عفن طازج، يطفح كأنه مجاري مدينة مزدحمة. الفقر مفسدة طبيعية يصعب أن يصاحبها الأخلاق، فالفقر ينخر الروح، يوحشها، حتى لا يبقى منها سوى "مود" البقاء، غريزة الاستمرار على قيد الحياة، مما يقضي معه على كل عرف أخلاقي أو مذهب مبدئي بسيط ظاهر. فالأخلاق والمبادئ الظاهرة البسيطة هي رفاهية الأغنياء، يملكون ثمنها فيمارسونها، أما الفقراء، فلا يملكون ثمن هذه الأخلاق والمبادئ، وبالكاد يتحصلون على ثمن عند بيعها. 

الفقر مسؤولية الأغنياء، وضياع القيم الأخلاقية تحت مظلته إثمهم، فهم احتكروا المنظومة الأخلاقية البسيطة بنفوذهم وأموالهم ليبدوا دائما نظيفي اليد، كرماء، ذوي أشكال لطيفة وأحيانا نفوس عطوفة، متبرعين لذوي الحاجة، أحيانا باذخين للمبرات والمؤسسات الخيرية، ولم لا، هم يملكون ثمن كل ذلك. 

الغني يموت تخمة والفقير يموت جوعا وهذا هو ديدن الحياة

​​أما المنظومة الأخلاقية الأعمق، فتلك تتشرذم تحت سنون آلاتهم، هذه السنون التي تهرس وتطحن الأرواح والأجساد لتصنع الأموال الهائلة والإمبراطوريات المهيبة. يقع الفقير إن مد يده على رغيف ليس له تحت طائلة القانون، نسميه لصا، أما الإمبراطور الذي يغسل الأموال ويسرق الملايين ويطحن الآلاف من الفقراء تحت ماكينته الرأسمالية التي لا ترحم، فهذا اسمه... تاجر.

والفقر هو أسوء روايات القدر، هو الدليل القاطع على النظرية الداروينية التي يلفظها عالمنا العربي المسكين خوفا من اهتزاز عقيدته، فتجده يناضل ويكافح لطرد النظرية من عند عتبات العقل، دون تدبر أو قراءة أو إطلاع، هذه النظرية التي هي اليوم الأرجح والأكثر قوة وتأثيرا في دنيا العلم وخصوصا العلوم البيولوجية والأنثروبيولوجية.

فإذا ما لم تكن كل الآثار والبقايا الإنسانية والماقبل إنسانية من نيانديرثال وهوموإيراكتوس وهوموهابيليس وأثيوبيكوس وغيرها والموجودة في متاحف التاريخ الطبيعي حول العالم دليلا على صحة وروعة النظرية الداروينة للتطور، أفلا يكون الفقر البشع دليلا عليها؟

يقول ريتشارد دوكينز عالم البيولوجيا الشهير إننا لربما تطورنا في الحياة عن طريق النظرية الداروينية، إلا أننا وبكل تأكيد غير مضطرين للعيش في مجتمع دارويني، لسنا ملزمين بأن نحيا في غابة البقاء فيها للأقوى أو الأصلح، يمكن لنا بتطور حسنا الإنساني وضمائرنا وأنماطنا الأخلاقية أن نرفض الغابة الداروينية التي نشأنا منها وأن نطورها إلى مروج رحيمة ضمائرية يساعد فيها القوي الضعيف. 

في بعض الأماكن المتطورة من هذه الكرة الأرضية، مثل الدول الإسكندنافية، هناك محاولات حقيقية لتحويل المجتمع من مجتمع "رعي جائر" على الحقوق إلى مجتمع متطور الوعي والثقافة الإنسانية، مجتمع يترجى أكثر من مجرد البقاء البحت إلى البقاء الشريف الأخلاقي، والذي من أجل تحقيقه يتعاون الجميع متغلبين على خلافاتهم واختلافاتهم وأطماعهم الطبيعية.

الفقر هو أسوء روايات القدر، هو الدليل القاطع على النظرية الداروينية

​​أما في الأجزاء الأخرى الأكثر انتشارا من هذه الدنيا، في مناطق الفقر الضمائري والعوز الأخلاقي والتسابق من أجل البقاء ولو دعسا على أرواح الآخرين، تتجلى أبشع صور النظرية الداروينية، حيث وبمنطق الاختيار الطبيعي الذي تقوم عليه تلك النظرية، يستمر الغني ابن الغني في الحياة، يتحصل على تعليم أفضل، طبابة أكثر تطورا، أماكن عيش أكثر أمنا وصحية، درجات أكبر من السعادة وراحة البال. 

ينمو هذا الإنسان، كما تقول النظرية الطبيعية الناتجة عن النظرية الواقعية والمتأثرة جدا بالنظرية الداروينية، باتجاه واحد مجبر عليه بحكم إرثه الجيني ومحيطه وفرصه التي ستعطيها له الحياة، وهو اتجاه حياة أكثر راحة وأكثر متعة. 

الفقير المعوز، تخبره ذات النظرية الطبيعية أنه سيعيش فقيرا ويموت فقيرا، سيمتلئ بالأمراض وستعبئ روحه بالبؤس وسيفنى مقهورا بلا أدنى فرصة في نوعية ثانية من الحياة.

صورة الفقر البشع تُحفر عميقا في نفس كل من يراها لو كان يمتلك المقدار الأدنى من الضمير الإنساني ومن الغريزة البيولوجية للتواصل والتعاطف وحفظ النوع. لا أنسى المشاهد أبدا، حين اصطحبني والدي شابة صغيرة لمنطقة الدويقة، أفقر أحياء مصر، وألزمني النزول من السيارة والمشي في أحد أزقتها، حين أصر أن يأخذني لمقابر القاهرة لآكل قرص الخبز مع أهلها الأحياء وأقرأ الفاتحة على أهلها الأموات. لا أنسى أسى لاجئي طرابلس مع بداية النزوح السوري، حيث قمنا بعمل زيارة تسليط ضوء إعلامي على الكارثة مع حملة ليان الخيرية؛ لا تغيب وجوههم وأطفالهم، يعيشون في مبان مهجورة وأحيانا في مقالب الزبالة، يلاحقنا الأطفال حين يحين موعد مغادرتنا للسيارة سلاما لا نعرف أنراهم من بعد ذلك اليوم أم سيقتلهم الشتاء القارس القادم.

الفقر مسؤولية الأغنياء، وضياع القيم الأخلاقية تحت مظلته إثمهم

​​وماذا عن عذابات أطفال اليمن وهم يموتون في القرن الواحد والعشرين من الكوليرا؟ ماذا عن مهجري الروهينغا الذين تعد كارثتهم أحد أبشع الكوارث الإنسانية؟ ماذا عن الغرقى الذي ملأواالبحر الأبيض بحثا عن فرصة أفضل؟ ماذا عن صورة إيلان، صورة عمران، صورة محمد الدرة، صور تعلوها نجاسات سياسية، ويختبئ خلفها فقر مدقع، وتنبعث منها الروح الداروينية لجنسنا الغريب؟

هي صورة أخيرة تجمع كل مآسي الدنيا وتثبت بالدليل القاطع لكل متشكك صحة النظرية الداروينية، هي لقطة قتل صاحبها نفسه بعد سنة من التقاطها لبشاعتها، أو لبشاعة شكلنا الإنساني فيها، هي تلك التي التقطها كيفن كارتر لطفل من سودان المجاعة لسنة 1993 والذي انهار (أي الطفل) بعد زحف أميال طويلة ليصل لأحد مراكز الإطعام. في الصورة يبدو الطفل ركاما صغيرا منهارا من العظام، يقف خلفه نسرا ينتظره يموت حتى ينقض عليه. شيء من بقايا أطعمتنا التي نرميها كل يوم كانت لتنقذ هذا الطفل وآلاف غيره، لكننا لا نفعل، لأن الغني يموت تخمة والفقير يموت جوعا وهذا هو ديدن الحياة، وتكذبون داروين؟

اقرأ للكاتبة أيضا: كبرت كثيرا

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات