Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

تونسيون خلال تشييع الرئيس السبسي
تونسيون خلال تشييع الرئيس السبسي

مالك العثامنة/

كان يمكن لوفاة الرئيس التونسي باجي قايد السبسي أن تمر كحدث عادي (بكل ما يليق من حزن) فيرسخ دولة المؤسسات والقانون في جمهورية تونس، وهو الأمر الطبيعي المفترض والمنشود في كل تلك الدول من الخليج "إياه" إلى المحيط "ما غيره"، خصوصا أن الراحل رحمه الله كان قد بلغ التسعين من العمر وقد أنبأ بوفاته قبل أسابيع بدخوله المستشفى وبغيبوبة مرضية.

حسنا، لقد كانت تونس بعمومها (بعيدا عن شواذ المتطرفين)، دولة مؤسسات فعلا منذ لحظة وفاة السبسي وفي جنازته الرسمية ومراسم تداول السلطة وإعلامها الرسمي والأهلي بمؤيديه ومعارضيه.

لكن الحدث تجاوز العادي "المفترض وجوده"، لأن "غير العادي الفارض وجوده" من تطرف وتعصب إسلاموي في عالمنا العربي لا يزال يطل برأسه ليفسد اللحظة ويهز ولو قليلا مراتب الحزن المهيب في تونس.

لم يكن بورقيبة ديمقراطيا، لكنه كان رجلا تنويريا

​​انتصر الوعي التونسي رغم المنغصات، ورغم فيديوهات وتعليقات ساقطة إقصائية أصدرها دعاة العتمة مثل وجدي غنيم الذي يقيم في تركيا ومنها يصدر فتاويه الكريهة بحق رجل دولة رفيع المقام مثل السبسي، ويهين التونسيين بينما زميله الإخواني عبدالفتاح مورو يمشي خلف جنازة الرئيس الراحل المهيبة، وقد تغلب وعيه التونسي على تعاليم سيد قطب البائسة.

انتصرت الدولة المدنية في تونس، تلك التي كانت مزروعة في العقل الجمعي التونسي وأطاحت باستبداد زين العابدين بن علي، الديكتاتور الذي حجب تونس عن وعيها الكامن فيها لعقود، لكنه لم يستطع بكل قبضته الأمنية أن يلغي هذا الوعي الكامن في العقل الباطني التونسي.

لكن، هل كان هذا الوعي "المدني" التونسي بورقيبيا؟ هل هو حصاد ما زرعه بورقيبة فعلا، أم أنه تراكم تاريخي طويل يبدأ من قرطاج وقبلها من هجرات الواندال وما بعدها من ثقافة شعوب الأمازيغ العريقة؟

هل يمكن اعتبار حرية المرأة التونسية نتيجة مباشرة لسطوة بورقيبة في تمرير مجلة الأحوال الشخصية أم هي إعادة إنتاج لروح الحرية التونسية منذ الملكة الأمازيغية المقاتلة "ديهيا" والتي لا يزال العرب بتاريخهم المشرقي الصحراوي الكلاسيكي يحاولون طمسها بتسميتها بالكاهنة؟

لا يفي مقال هذه الأسئلة حق الأجوبة الصحيحة والمنهجية؟ ولا كاتب مثلي متواضع الإمكانيات في الدراسات التاريخية لكنني أسعى إلى قراءة المناطق المعتمة من هذا التاريخ وباستمرار.

♦♦♦

مشهد

في سبتمبر الماضي، صديق مسيحي كاثوليكي أخبرني أن لقاءنا سيتعذر صباح اليوم التالي، لأنه سيذهب لصلاة الأحد في كنيسة فرنسية (والفرنسية لغة لا يتقنها صديقي الطيب والمؤمن).

ظهيرة الأحد، كنت قد وصلت إلى نهاية شارع بورقيبة الشهير في العاصمة، لأجد على يميني كنيسة ضخمة مشرعة الأبواب، دخلتها وكانت مراسيم الصلاة قد انتهت للتو، سألت فكان الجواب أن الصلوات بالعربية (والتي يتحدث بها صديقي الطيب والمؤمن).

♦♦♦

المشهد يعود للذاكرة مرارا وتكرارا، مرة حين تعرض الشارع الطويل والشهير نفسه لحادث إرهابي من قبل متطرفة فجرت نفسها، ومرة من خلال جدل متواصل حول مقاهي الشارع التي ترفض تقديم البيرة للطاولات التي على الرصيف خوفا من متطرفين عابرين، واليوم يعود المشهد وأنا أقرأ عن تونس تاريخيا وأحاول فهم الأحجية التونسية التي لا يدركها إلا "التوانسة" كما يحبون تسمية أنفسهم.

حرية المرأة كانت أهم ما نادى به الطاهر حداد

​​على بعد مسافة مشي قصيرة من تلك الكنيسة الكبيرة في نهاية شارع بورقيبة، يتموضع جامع الزيتونة القديم والعريق، وقد بناه القائد الإسلامي حسان بن النعمان معلنا ببنائه نجاحه في احتلاله العسكري للمنطقة بعد هزيمته الملكة المقاتلة ديهيا وقطع رأسها وإرساله إلى الخليفة في دمشق.

الجامع مبني على أنقاض كاتدرائية قديمة، تماما مثل الجامع الأموي في دمشق المبني على كاتدرائية مسيحية تحوي قبر يوحنا المعمدان.

تلك معضلة تاريخية تثير جدلا عاصفا دوما، وسيثور الجدل على فقرتي تلك مثلا في التعليقات والردود على مقالي هذا إلى ما لا نهاية.

لكن "التوانسة" بتركيبتهم التاريخية الفريدة والمميزة، يتغلبون على كل ذلك الجدل ويتصالحون مع تاريخهم المتشابك والمعقد بوعي الدولة المدنية ومفاهيم الحرية الإنسانية.

التوانسة هؤلاء الذين انتخبوا التيار الإسلامي "حزب النهضة" بعد إطاحتهم باستبداد بن علي، وحين أخفق الإسلاميون بتحقيق ما يريده المواطنون المدركون لمفهوم المواطنة، انتخب "التوانسة" حزب نداء تونس، واستحضروا شخصية محترمة من عهد "بورقيبة".

انتصرت الدولة المدنية في تونس، وأطاحت باستبداد زين العابدين بن علي

​​لم يكن بورقيبة ديمقراطيا، استأثر بالسلطة زمنا طويلا سمح لرجل أمن بوليسي أن يختطفها منه ومن الشعب، لكنه كان رجلا تنويريا لم يخترع العجلة، بل أعاد الروح لمن سبقه من تنويريين مثل الطاهر حداد ومعلمه محمد علي الحامي وغيرهما من مناضلين نقابيين ومقاومين كانت روح "النهضة المدنية" تعيش فيهم.

حرية المرأة كانت أهم ما نادى به الطاهر حداد، الذي مات كمدا بعد محاصرته واغتياله مدنيا من قبل قوى التطرف الديني.. لكن أفكاره وجدت طريقها بعد الاستقلال.

بعد ثورة تونس عام 2011، صحح التوانسة ثورتهم الأولى بحركة وعي تصحيحية أعادت تنوير "بورقيبة" لكن مع دمقرطة "البورقيبية".

ومع وفاة السبسي، تنتهي مرحلة يبدأ فيها التوانسة مرحلة نترقب فيها تجربة ناضجة، لم تتأثر بعد الربيع العربي لا بالكاز ولا بالغاز، لكنها مليئة بالتربص والتصيد ورهاني كمراقب دوما على هذا العقل الجمعي التونسي.. الذي قرأته بوضوح وبهجة "وحزن لائق" خلف نعش رئيس الجمهورية التونسية.

اقرأ للكاتب أيضا: إعلام على رقعة شطرنج

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

مواضيع ذات صلة

Tunisians queue outside a polling station to cast their votes during the presidential elections, in the capital Tunis, Tunisia,…
يترقب التونسيون نسبة المشاركة النهائية في الرئاسيات

أغلقت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها في الساعة السادسة مساء، اليوم الأحد، تمهيدا ببدء عملية فرز الأصوات.

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، فاروق بوعسكر، في ثاني مؤتمر صحافي خلال يوم الاقتراع، كشف أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الخارج بلغت 10 بالمئة، حتى الساعة الواحدة ظهرا.

وأفاد بوعسكر أن عدد المصوتين في الخارج وصل إلى 64 ألفا و315 ناخبا.

 

وكان رئيس هيئة الانتخابات أعلن، في مؤتمر صحافي قبل الأخير، أن نسبة المشاركة في الرئاسيات بلغت 14.16 في المئة إلى حدود الساعة الواحدة زوالا بالتوقيت المحلي.

وأفاد بأن عدد المصوتين داخل تونس وصل إلى مليون و381 ألفا و176 ناخبا حتى حدود الواحدة زوالا.

معطيات الرئاسيات

وشرع التونسيون الأحد في انتخاب رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها حماس التونسيين بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7,00 ت.غ) في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73% من الأصوات (و58% من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديموقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "الربيع العربي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، وفقها.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن "نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7% فقط.

ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

حملة هادئة

في الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال في العام 2019.

ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد". 

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

 

المصدر: وكالات