تجدد في الجزائر، مؤخرا، النقاش حول ملف الجماعات المتطرفة و"الخلايا النائمة" التابعة بها على خلفية توجيه السلطات لتحذيرات رسمية صاحبتها إجراءات قضائية جديدة في حق علي بلحاج، الرجل الثاني في "الجبهة الإسللامية للإنقاذ" المحظورة منذ منتصف 1992.
وركزت افتتاحية مجلة الجيش، الناطق الرسمي باسم المؤسسة العسكرية في عددها الأخير، على نشاط بعض المتطرفين، وقالت إنهم "يحاولون عبثا استنساخ الأساليب الخبيثة التي كانت سببا في المأساة الوطنية خلال تسعينات القرن الماضي، اعتمادا على نشر الخطاب المتطرف"، مؤكدة أن "الدولة لن تسمح بذلك".
وقد تزامن تحرك الجهات الرسمية في الجزائر بعد إعلان وزارة الدفاع الوطني، في وقت سابق، عن توقيف 13 إرهابيا في عدة مدن، من بينها ولاية تيبازة القريبة من الجزائر العاصمة.
وتفرض الحكومة الجزائرية، منذ التسعنيات، العديد من التدابير الأمنية والإجراءات الإدارية من أجل مراقبة تحركات ونشاط الجماعات الإسلامية، المحسوبة على التيار المتطرف، كما ترفض عودتها إلى الساحة السياسية لتفادي تكرار تجربة الانتخابات البرلمانية والمحلية في سنة 1991، وما أعقبها من تدهور خطير للوضع الأمني، ما تسبب في وفاة آلاف الجزائريين، كما كبّد خزينة الدولة خسائر بالملايير.
إشارات وتحذيرات..
وكشف قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، في خطاب ألقاه في أحد خرجاته الميدانية مؤخرا، عن وجود مؤشرات تفيد بعودة هذه الجماعات للظهور مجددا في الجزائر.
وبنى القائد العسكري تشخيصه للوضع المحلي على "بعض الصور والمشاهد لنشاطات بعض الأصوليين، الذين يتبنون خطابا دينيا متطرفا يذكرنا بسنوات التسعينيات من القرن الماضي"، قبل أن يشدد لهجته بالقول "ليعلم هؤلاء المتطرفون أن ذلك الزمان قد ولى إلى غير رجعة، وأن مؤسسات الدولة الراسخة لن تسمح بأي حال من الأحوال بعودة هؤلاء المغامرين، الذين كادوا أن يدفعوا بالبلاد إلى الهاوية، وأن يتسببوا في انهيار أركان الدولة الوطنية".
وفي بداية الشهر الجاري، أحيل علي بلحاج نائب رئيس "الجبهة الإسلامية للإنقاد"، (المعروف اختصارا باسم الفيس) الممنوعة من النشاط في الجزائر ، على القضاء على خلفية تصريحات إعلامية رد فيها على ما جاء في كلام المسؤول الأول عن المؤسسة العسكرية في البلاد.
ورغم تعرضها إلى الحل بقرار قضائي صادر منتصف التسعينات، إلا أن العديد من القياديين في "الجبهة الإسلامية للإنقاد" لا زالوا متمسكين بحقهم في العودة إلى النشاط السياسي من خلال تأسيس تنظيم جديد، وهو الأمر الذي ترفضه السلطات.
خطر "خلايا نائمة"..
وتختار بعض القيادات المحسوبة على هذا الحزب، ومجموعة كبيرة من المتعاطفين معه، مواقع التواصل الاجتماعي من أجل نشر أفكارهم وسط الجماهير ومناقشة العديد من الأمور السياسية والأحداث الجارية في البلاد.
وحسب الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أبو الفضل بهلولي، فإن "النشاط عبر الفضاء الأزرق لا يمثل سوى واجهة لمجموعة كبيرة من الخلايا النائمة المحسوبة على "الفيس" وبعض الجماعات المتطرفة التي تحاول بشتى الطرق والأساليب العودة إلى الحياة السياسية والتأثير فيها، كما كانت تفعل في بداية التسعينات".
وأفاد المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، "تدخل السلطات وقيام رئيس أركان الجيش بتحذير هذه الجماعات جاء في وقته بالنظر الانتشار الكبير لنشاطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما يمثل خطرا حقيقيا على الوضع العام في البلاد".
وأكد بهلولي أن "الكثير من الخلايا النائمة المحسوبة على الفيس تقوم بتجنيد الشباب من الجيل الجديد بعدما تنجح في غسل دماغهم حتى تستقطبهم لبعض الأنشطة المشبوهة باسم الممارسة السياسية وغيرها من الشعارات التي ترفعها في كل مرة".
وتابع "الأمر يبدو أخطر بكثير مما كنا في التسعينيات بالنظر إلى التطور الكبير الحاصل في التكنولوجيا ووسائل الاتصال العصرية ممثلة في مواقع التواصل الاجتماعي"، مؤكدا أن "كثيرا من التحقيقات بينت استعمال هذه التقنيات في جمع المال كذلك لصالح مشروعهم الهدام".
وأشار بهلولي إلى أن "هدف هذه الخلايا النائمة والجماعات التي تنسق معها بالخارج يكمن في ضرب استقرار البلاد وأمنها".
"جماعات ميتة"..
ويختلف الجزائريون في تقييم خطر نشاط هذه الجماعات المتطرفة وخلاياها النائمة على الوضع العام في البلاد، بحيث تشير عدة أطراف إلى أن "التجربة التي مرت بها الجزائر سنوات التسعينيات أكسبت المواطنين مناعة فكرية وسياسية تجعلهم في منأى عن تأثيراتها"، وفق ما يؤكده محللون.
وقلل الأستاذ الجامعي والناشط الإعلامي بجامعة وهران، عمر الزاوي، إن "المتطرفين في الجزائر استنفذوا جميع خططهم وصاروا عاجزين عن التأثير في التوجهات العامة للمجتمع على عكس ما كان عليه الوضع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي".
وأفاد المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، "حتى لو سلمت بوجود بعض الخلايا النائمة لهذه الجماعات، فإن مآل نشاطها سيكون الفشل لأنها لا تملك مشروعا مجتمعيا أو سياسيا أو حضاريا يعود بالنفع على الدولة والمجتمع وهي الحقيقة التي صارت واضحة للعيان".
واعتبر الزاوي أن "كثيرا من التجارب أكدت مسؤولية هذه الجماعات المتطرفة في تفكيك بعض الدول وضرب وحدتها الوطنية".
واعتبر المصدر ذاته أن "الظروف التي كانت تتواجد عليها الجزائر سنوات التسعينات تختلف تماما عن الوضع الحالي، فوقتها كنا نواجه أزمة سياسة واقتصادية خانقة، الأمر الذي ساهم في بروز هذه الجماعات، في حين تنعم بلادنا حاليا باستقرار ملحوظ على المستويين السياسي والاقتصادي"، مشيرا إلى أن "الأزمات تشكل ميدانا خصبا لنشاط الأخيرة، حيث كثيرا ما تقوم باستغلالها من أجل الوصول إلى مراكز الحكم وصنع القرار".
المصدر: أصوات مغاربية