عاد رجل الدين الموريتاني البارز، عبد الله بن بيّه، إلى واجهة الأحداث، مطلع هذا الأسبوع، بعد أن أعلنت "مؤسسة حلف الفضول الجديد" تشكيل فريق ينكبّ على تحقيق "الوساطات" و"المصالحات" عبر العالم.
وتسعى هذه المؤسسة - التي يترأسها بشكل شرفي بن بيّه - إلى تحريك "الدبلوماسية الدينية" لإيجاد حلول للنزعات التي تعرفها مناطق مختلفة من العالم.
وشدد بن بيّة، وهو أيضا رئيس منتدى أبو ظبي للسلم، على أن أهمية "النظر في ابتكار آلية تسمح للقيادات الدينية بالتدخل الإيجابي لمحاولة الاسهام في إيجاد حلول للنزاعات حول العالم"، و"بروح الإطفائي الذي يسعى إلى إطفاء الحريق قبل السؤال عمن أشعله أو الحكم عليه أو وصفه أو وصمه بأي جرم"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية.
وكان رجل الدين الموريتاني يتحدث في اجتماع احتضنته العاصمة المغربية الرباط، قبل أيام، حيث أكد على "تعزيز التسامح"، مرحباً بـ"الجهود التي تبذلها القيادات الدينية لتعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان".
مُقارع الكراهية
ويُعد عبد الله بن بيّه (88 عاما) من أكثر الأصوات الدينية تسامحا في العالم الإسلامي، إذ تصدى بالفتوى للانتهاكات التي اقترفها تنظيم داعش الإرهابي في أوج تمدده بالعراق سوريا في 2014.
وأماط الشيخ، وهو من مواليد مدينة تمبدغة في ولاية الحوض الشرقي الموريتانية، اللثام عن التفسيرات المشوهة للإسلام والتي تتبناها التنظيمات المتطرفة، معلناً تأييده للتحالف الدولي ضد داعش.
وفي 2014، أصدر بيانه الشهير "ما هذه بطريق الجنة – نصيحة للشباب وبيان للنخب"، حيث أدان الإرهاب، ودعا إلى "الأخوة الإنسانية"، وجملة من "الإصلاحات" بالعالم الإسلامي، مشيرا إلى أن "جزءاً كبيراً مما تعيشه الأمة اليوم من فتن مرده إلى التباس مفاهيم شرعية لا غبار عليها في أذهان شريحة واسعة من المجتمعات المسلمة، كتطبيق الشريعة ودولة الخلافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وطاعة أولي الأمر".
وفي مقابلة مع قناة "الحرة" في الفترة نفسها، أشار إلى جملة من الحلول لمواجهة التنظيمات المتشددة والإرهاب، قائلا "بالنسبة للعسكر فإن الحل هو الحرب، وبالنسبة لرجال السياسة فإن الحل هو التفاوض والبحث عن المصالح الدولية، وبالنسبة لرجال الدين فإن الحل هو حل خُلـُقي عبر البحث عن السلام في أعماق الثقافات لتقديمه للناس...والبحث عن الخير في أعماق القلوب".
وحتى قبل ظهور داعش، لعب دورا في التعريف بأهمية الحوار بين الأديان والحضارات، إذ ألقى درساً في جامعة جورج تاون بالعاصمة الأميركية بواشنطن في 2012 تحت عنوان "الحرية وحقوق الأقليات في الإسلام" باعتباره نائبا لرئيس "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين".
كان بين بيّة يقود هذه الهيئة الدينية إلى جانب رجل الدين القطري-المصري الراحل، يوسف القرضاوي، لكن في 2013 وقعت خلافات بين الرجلين في سياق عزل الرئيس الإسلامي الراحل، محمد مرسي، واتهامات لـ"الاتحاد العالمي" بالقرب من جماعة الإخوان المسلمين.
ونتيجة لكل هذه النشاطات في مجال الدعوة إلى الوسطية ونبذ العنف، صنّفه جامعة جورج تاون الأميركية كواحد من أبرز الشخصيات المسلمة تأثيراً في العالم.
عالم المغرب والمشرق
قبل أن يُصبح بن بيّة واحدا من أكبر الفقهاء السنة المعاصرين، بدأ مسيرته في المجال الديني من مناصب رسمية بالدولة الموريتانية بعد الاستقلال.
فقد تولى مناصب قضائية عدة في محاكم موريتانيا، ثم عُين بوزارة العدل، قبل أن يصبح مفوضا ساميا للشؤون الدينية برئاسة الجمهورية.
تولى أيضا حقائب وزارية في الحكومات المتعاقبة خلال السبعينات من القرن الماضي، منها وزارة التعليم الأساسي والشؤون الدينية، ثم وزارة العدل والتشريع.
نشأ الرجل في بيت ذات التوجهات الدينية الصوفية، وتتلمذ في المحظرة وعلى يد والده القاضي، الشيخ المحفوظ بين بيّه، كما تلقى علوم اللغة والشرع والقرآن على يد شيوخ معروفين، من أمثال محمد سالم ابن الشين، والشيخ بيه بن السالك المسومي.
انتقل بعد ذلك إلى تونس في أول دفعة قضاة موريتانية إلى هذا البلد المغاربي، وبعد عودته التحق بسلك العدالة إلى أن وصل إلى منصب نائب رئيس المحكمة العليا الموريتانية، ومن ثم التحق بوزارة العدل في مناصب إدارية.
بعد أن قضى ردحا من الدهر في بلاده، غادر إلى المشرق العربي حيث يعمل أستاذا للدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، كما يقود مؤسسات دينية إصلاحية في الإمارات العربية المتحدة، وأبرزها رئاسة مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.
بعد أن تفرّغ للعمل الدعوي والأكاديمي، ألّف العديد من الكتب، منها "حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام" الصادر في 2006، و"الإرهاب: التشخيص والحلول" في 2005، و"صناعة الفتوى وفقه الأقليات" في 2004.
في العام 2014، أثنى عليه الرئيس الأميركي حينها، باراك أوباما، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما وصفته الإذاعة العامة الأميركية (NPR) بـ"عالم العلماء".
المصدر: أصوات مغاربية