قبل أزيد من 49 سنة خلت، شهدت المنطقة المغاربية تأسيس دولة اندماجية موحدة بين ليبيا وتونس أُطلقت عليها تسمية "الجمهورية العربية الإسلامية".
لكن هذا الكيان الجديد لم يدم أكثر من 24 ساعة فقط، حيث سرعان ما تعطل المشروع لتندلع بين قادة البلدين خلافات كبيرة بعضها اختفى وبعضها الآخر يبقى مستمرا لحد الساعة. فما الذي حدث آنذاك؟ ولماذا أُجهض مشروع الوحدة بين الدولتين؟ وهل للجزائر دخل في ذلك؟
تنازلات القذافي
في بداية السبعينات، بذل القائد الليبي الراحل، معمر القذافي، جهدا كبيرا في إقناع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة من أجل إقامة مشروع وحدة بين الدولتين تأسيا بما وقع بين مصر وسوريا نهاية الخمسينات لما أعلن البلدان عن تأسيس "الجمهورية العربية المتحدة".
وقد قوبلت خطوة القذافي، وقتها، بتحفظ كبير من الجانب التونسي، على اعتبار أن العقيد الليبي كان حديث عهد بالسلطة، حيث لم يكن قد مر على الانقلاب الذي قاده ضد الملك السنوسي سوى بضع سنين.
وتنقل مصادر إعلامية تصريحات للرئيس التونسي وقتها، الحبيب بورقيبة، يشير فيها إلى "نقص تجربة معمر القذافي في كيفية تغير الأدمغة، وتشكل الأوطان".
ولم يمض الشيء الكثير عن ذلك الموقف حتى تغير كل شيء في نظرة الحبيب بورقيبة، حيث وجد نفسه بتاريخ 12 يناير 1974 يمضي على "اتفاق جربة" الذي أُعلن فيه عن تأسيس دولة موحدة تجمع بين البلدين سميت بـ "الجمهورية العربية الإسلامية" في موقف أثار حيرة مجموعة من المسؤولين الكبار في حكومته، بعدما أبدوا تخوفات كبيرة من تأثير هذا الاتفاق على ديمومة الدولة التونسية ومستقبل شعبها، بحسب ما توثقه بعض الشهادات.
وتضمنت اتفاقية الوحدة عدة شروط، من بينها تنازل الرئيس الليبي على منصب رئيس "الجمهورية العربية الإسلامية" لصالح نظيره التونسي والاحتفاظ فقط بمنصب الوزير الأول بالإضافة إلى الإبقاء على تونس عاصمة لهذه الدولة الجديدة، فيما تحتفظ طرابلس بصفة العاصمة الصغرى.
ومما تضمنه الاتفاق أيضا تنظيم استفتاء شعبي بتاريخ 18 يناير من نفس السنة، أي أسبوعا واحدا فقط بعد الإمضاء على "اتفاقية جربة"، بغرض منح المشروع الوحدي طابعا شعبيا.
من الوحدة إلى الأزمة!
موازاة مع عمليات التحضير التي شرعت فيها قيادتا البلدين من أجل تحضير الاستفتاء الشعبي على مشروع "الجمهورية العربية الإسلامية"، انطلق طيف من المسؤولين التونسيين البارزين، تحت قيادة الوزير الأول الهادي نويرة، في حملة لمعارضة قرار رئيسهم ومارسوا عليه ضغطا كبيرا لإجباره على العدول عن موقفه وبالتالي إلغاء المعاهدة المذكورة.
وكان هذا أصحاب الرأي المعارض يملكون سلاحا قويا في وجه الرئيس الحبيب بورقيبة يتمثل في غياب مادة دستورية صريحة تنص على إجراء الاستفتاء الشعبي في تونس، وهي الورقة التي سمحت بتغليب الكفة لصالحهم، حيث وجد الرئيس التونسي بعد ذلك نفسه مضطرا لإلغاء مشروع الوحدة، ساعات فقط بعد الإمضاء عليها، كما طالب الرئيس معمر القذافي بتسليم وثيقة الاتفاق.
وقد أثار ذلك الموقف غضب الرئيس الليبي معمر القذافي الذي دخل في مفاوضات جديدة مع الحبيب بورقيبة ومسؤولين آخرين في حاشيته قصد إقناعهم بضرورة استكمال خطوات مشروع "الجمهورية العربية الإسلامية"، إلا أنه فشل في ذلك.
أدى هذا الوضع إلى بروز أزمات دبلوماسية بين الطرفين استمرت طوال سنوات السبعينات، وقد زادت حدتها بعد ظهور مشكل آخر يتعلق بتنافس الحكومتين على استغلال "حقل البوري النفطي"، المتواجد في نقطة بحرية قربية من سواحل البلدين.
وفي سنة 1980، لم تتردد السلطات التونسية في اتهام الرئيس معمر القذافي في دعم مجموعة من المسحلين بمدينة قفصة أعلنوا انشقاقهم عن الرئيس الحبيب بورقيبة.
شهادات جديدة
وفي السنوات الأخيرة، ظهرت مجموعة من الشهادات أشارت إلى التأثير الذي أحدثه موقف الدولة الجزائرية على عهد الرئيس هواري بومدين على مشروع الوحدة بين البلدين.
من الإفادات المهمة في هذا السياق ما ذكره رئيس الوزراء التونسي الأسبق الهادي البكوش الذي كشف بأن "الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين كان معارضا لمشروع الوحدة بين البلدين وكان يرى فيها خطوة تهدد المنطقة المغاربية".
لكن أطرافا أخرى قالت إن الموقف الجزائري ناتج بالأساس من "غضب الرئيس الجزائري وقتها بسبب عدم استشارته في ترتيب مشروع الوحدة"، حيث لم توجه له الدعوة في الالتحاق به إلا بعد الإمضاء على "اتفاقية جربة" بين الرئيسين التونسي والليبي.
المصدر: أصوات مغاربية