من سوق شعبي في منطقة صدّوق ببلاد القبائل بالجزائر، أعلن الشيخ الحدّاد ثورته على الاستعمار الفرنسي في أواخر القرن 19 وهو في الثمانين من العمر، ورغم أنها ثورة لم تدم سوى أشهر قليلة إلا أنها شكلت خطرا كبيرا على الاحتلال في المنطقة.
ثورتان في زمان ومكان واحد
كان يوم جمعة من العام 1871 عندما اجتمع الناس حول الشيخ الكبير في "سوق صدوق" ونادى هو فيهم: سأرمي فرنسا في البحر كما أرمي عصاي هذه! فما قصة هذا الثائر الثمانيني، وكيفا انتهت ثورته؟
تزامنت ثورة الشيخ الحداد، واسمه الكامل محمد أمزيان بن علي الحداد، مع ثورة الشيخ أحمد المقراني في منطقة بجاية المليئة الجبال والمداشر.
اتفق الرجلان على أن تكون الثورة شاملة في القبائل ضد فرنسا، فجمعا لها عددا كبيرا من الرجال بلغ 200 ألف أغلبهم من أتباع الطريقة الصوفية الرحمانية، وهي الطريقة التي كان يقودها حينها الشيخ الحداد نفسه بعدما ورثها عن والده.
عُرف الشيخ الحداد بلقب الحدّاد، لكونه سليل عائلة كانت تمتهن حرفة الحدادة وأبوه شيخ الطريقة الرحمانية الواسعة الانتشار في منطقة القبائل.
أسباب الثورة
بدأت فرنسا تمارس سياسة تجريد الجزائريين من أراضيهم وتسلمها للمستوطنين، وهو ما تسبب في غضب شعبي أشعل ثورة الشيخ المقراني أوّلا.
وبعد إعلان الشيخ محمد المقراني ثورته في فبراير سنة 1871 لم يتأخر الشيخ الحداد في إعلان ثورة ثانية من جهته حتى ينهكا المستعمر، وطلب المقراني من الشيخ الحداد دعمه بالرجال باعتباره صاحب طريقة صوفية لها عدد هائل من الأتباع، وهو ما لم يتردّد الشيخ في قبوله.
يقول المؤرخ الجزائري يحي بوعزيز في كتابه "تاريخ الجزائر من خلال الوثائق"، عن قوة الشيخ الحداد ورجاله في دعم ثورة المقراني "كان للإخوان الرحمانيين من أتباع الشيخ الحداد، دور بارز في انتصارات ثورة المقراني، خاصة بعد إعلان الشيخ الحداد الجهاد في 8 أبريل 1871..".
ويضيف بخصوص أعداد رجال الطريقة الرحمانية الذين ثاروا ضد فر نسا بأمر من شيخهم الحداد ومدى قوة هذه الثورة ".. وقد وصل عدد المجاهدين من اتباع الشيخ الحداد أكثر من مائة وعشرين ألف مجاهد، ينتمون إلى 250 قبيلة.. وبهذه القوة التي يعود الفضل فيها للزاوية الرحمانية وأتباع الشيخ الحداد وابنه عزيز، حققت هذه الثورة انتصارات كبيرة أخافت الغدارة الاستعمارية وأصبحت تشكل خطرا على مصالحها ومستوطنيها في المنطقة".
مقتل المقراني واستسلام الثمانيني
بعد ثورة دامت أقل من سنة امتدت من بجاية إلى حدود قسنطينة وشارك فيها 200 ألف مقاوم دخلوا أكثر من 340 معركة، وبعد مقتل رفيقه الشيخ المقراني في مايو 1871، استسلم الشيخ الحداد للجنرال الفرنسي لالْمان في 24 يونيو 1871، حيث اُنهك بفعل الحشود الفرنسية الجرارة وعتادها الحديث الفتاك.
سُجن الشيخ الأسير في قلعة بارال ببجاية ولم يحاكم إلا بعد أكثر من سنة ونصف، وهو ما تسبب في إصابته بأمراض.
جاء في دراسة تاريخية لجامعة سيدي بلعباس (غرب)، بعنوان "الظروف الممهدة لثورة المقراني والشيخ الحداد ونتائجها على السياسة الاستعمارية"، بأنه "في شهر أبريل 1873 أصدر القضاء العسكري الفرنسي حكما بالسجن الانفرادي لمدة خمس سنوات في حق الشيخ الحداد، لكن الشيخ الكبير لم يتحمل ظروف الحبس الانفرادي فتوفي بعد 10 أيام".
وقد خلّد شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء إعلان الشيخ الحداد ثورته من السوق، فقال في "إلياذة الجزائر" المتكونة من ألف بيت وبيت من الشعر:
وحدّاد في السوق ألقى عصاه
وأعلنها في الذُّرى والبطاح
كمثْل عصاي سألقي الفرنسيس
في البحر أركُلهم بالرماح
المصدر: أصوات مغاربية