الحسن الثاني (يسار) والملك فهد (يمين)- صورة مركبة
الملكان الراحلان السعودي فهد بن عبد العزيز (يمين) والمغربي الحسن الثاني (أرشيف)

يروي قيدوم الإذاعيين المغاربة، محمد بنددوش، في كتابه، "رحلة حياتي مع الميكروفون"، جانبا من كواليس تغطيته للأنشطة الملكية سواء بالمغرب أو خارجه، بينما طرائف ونوادر دبلوماسية تروى لأول مرة.

ومن تلك الطرائف، ما حدث في مارس عام 1983، حينما كان الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، بصدد تسجيل خطاب العرش في القصر الملكي بفاس ليبث في الإذاعة والتلفزيون بحضور ثلة من الوزراء، بينهم وزير الإعلام السابق عبد الواحد بلقزيز.

وحكى بنددوش في كتابه الصادر عام 2015، أن العاهل المغربي أخذ في استعراض القادة العرب الذي زاروا المملكة خلال عام 1982، مشيرا إلى أن من بينهم العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز.

وفي معرض حديثه عن تلك الزيارة، أشاد الحسن الثاني بمستوى العلاقات التي تجمع الرباط بالرياض، قائلا "لقد استقبلت بلادنا خلال العام المنصرم صديقنا الكبير وشقيقنا العزيز صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة المغربية".

وأثارت تلك الجملة دهشة الحاضرين في القاعة، ويحكي بنددوش "التقطت آذاننا هذه الجملة، وإذا بأنظارنا نحن ممثلي الإذاعة والتلفزة تتجه مباشرة نحو وزير الإعلام، الذي التقط هو أيضا تسمية الملك فهد بملك المملكة المغربية، وشعرنا جميعا بأن الأمر لا يعدو أن يكون فلتة لسان، ولكنها ستكلفنا الكثير لإصلاحها خصوصا تلفزيونيا إذا استمر الملك في قراءة خطابه ولم يتوقف لإعادة الجملة مصححة، وبدأنا التخاطب بالإشارات مع الوزير الواقف في الجانب الآخر لتشجيعه على التدخل بسرعة لإشعار الملك بما حدث".

وتفاعلا مع ما جاء في الخطاب، توجه وزير الإعلام عبد الواحد بلقزيز إلى الملك وأخبره بما جاء في خطابه، وهو ما رد عليه الملك الراحل بالقول: "أييه، (نعم)، الملك فهد ملك المملكة المغربية، وليس هناك خطأ وعليكم الاحتفاظ بالجملة كما هي".

بث الخطاب إذاعيا وتلفزيونيا في عيد العرش وتم الاحتفاظ بالجملة نفسها، ما أثار تساؤلات بين المغاربة، غير أن الكثير منهم فهم أن تلك الزلة اللسانية، إشارة إلى عمق العلاقات الثنائية التي تجمع المملكتين، بحسب ما جاء في الكتاب.

الرد من جدة

أشهرا بعد ذلك، زار ولي العهد المغربي الأمير محمد (محمد السادس) السعودية، وحظي باستقبال من طرف العاهل السعودي بمدينة جدة، إلى جانب وفد من المسؤولين المغاربة الذين كانوا برفقته، بينهم صاحب كتاب "رحلة حياتي مع الميكروفون". 

وخلال مأدبة أقيمت على شرف ضيوفه، طلب الملك الراحل فهد من رجال الأعمال السعوديين الذين كانوا على وشك التوجه للمغرب للمشاركة في مؤتمر للمستثمرين العرب، "تقديم كل ما يمكن من الدعم للمغرب، لما لهذا البلد من مكانة في نفسي ولما أكنه من تقدير واحترام لأخي الملك الحسن الثاني الذي اعتبره ملكا للمملكة العربية السعودية".

وتعليقا على ما جاء على لسان الملك السعودي الراحل، كتب بنددوش "وبما أنني كنت ووزير الإعلام الدكتور عبد الواحد بلقزيز الوحيدين من بين من حضروا مأدبة الغذاء في جدة، ممن كانوا حاضرين أيضا أثناء تسجيل خطاب العرش في فاس، فقد تبادلنا النظرات والابتسامات من بعيد وكأن كل واحد منا يقول للآخر: إنه الجواب".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

يواجه فلاحو تونس تحدي توفير مياه للسقي
يواجه فلاحو تونس تحدي توفير مياه للسقي

تفصل ساقية تنساب عبرها المياه في شمال غرب تونس بين حقول جافة صفراء وأخرى خضراء يانعة بفضل مبادرة ذاتية لمزارعة لم يحل ضعف التمويل في بلادها دونها وتحقيق حلمها، وهو بناء سد صغير لحفظ الماء ومقاومة التغير المناخي.

شيدت المزارعة سعيدة الزواوي (44 عاما) بفضل تمويلات من منظمات دولية سدا صغيرا تتجمع فيه مياه الينابيع القادمة من بين ثنايا الجبال المكسوة بغطاء من الغابات، وهو عبارة عن حوض من الحجارة والاسمنت وسط واد تخرج منه ساقية تمثل شريان حياة لأكثر من أربعين مزارعا.

وتغيث مياه السد محاصيلهم في ظل تراجع تساقط الأمطار، إذ تشهد البلاد سنة سادسة من الجفاف المتواصل، في حين أن نسبة امتلاء السدود لا تتجاوز ربع طاقة الاستيعاب.

تقول سعيدة، وقد غمرت مياه الحوض خصرها بينما ترفع ما علق بالقناة من أغصان "مقاومة التغير المناخي يجب التعايش معها. نحن نعرف جيّدا المنطقة ونعرف مشاكل الماء، سنجد الحلول ولن نيأس".

سعيدة الزواوي

كانت الفكرة حلما قديما لسعيدة الزواوي في منطقة غار الدماء بشمال غرب تونس، وامتدادا لما بدأه جدها ووالدها بوسائل تقليدية، اذ كانا يصففان أكياس الرمل بمحاذاة الوادي ليجعلا منها حوضا للمياه يستغلانه مع باقي المزارعين لسقي المحاصيل.

يبلغ طول السد 70 مترا وارتفاعه ثلاثة أمتار ونفذته منظمة العمل الدولية بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

وهذا السد مثال على كيفية توظيف تمويلات المؤسسات الدولية والدول المتقدمة لمساعدة البلدان المتضررة من تغير المناخ.

وستركز الدورة 29 لمؤتمر الأطراف للمناخ (كوب29) التي ستعقد في أذربيجان في نوفمبر برعاية الأمم المتحدة، على وجه التحديد على المبلغ الإجمالي الذي ستوافق الدول الغنية في العالم على دفعه سنويا لمساعدة البلدان الأكثر فقرا على التكيف مع الظروف المناخية.

مشروع العمر

سمحت التركيبة الجيولوجية للجبال بأن تؤدي الحجارة "دور الإسفنجة" التي تمتص مياه الأمطار والثلوج وتعصرها في نبع يجري في ساقية لمسافة نحو 10 كيلومترات وتزود السد بالمياه.

لكن ومع تواتر سنوات الجفاف وانجراف التربة، نضب المنبع ولم يسعف العمر الجد والأب ليكملا المشوار. بقيت فكرة إعادة إحياء "مشروع العمر ليسقي المنطقة بأكملها، ويعود المزارعون وتستأنف الحياة"، بحسب الزواوي.

وتضيف "بتغير المناخ أصبح هناك نقص في الماء لذلك قلص المزارعون من مساحات الحقول وتخلصوا من الزراعات التي تتطلب الكثير من الماء".

خلال سنوات السبعينات والثمانيات كانت الساقية توفر "مياه لري 48 هكتارا ولكن مع تغير المناخ تقلصت المساحة المروية إلى 12 هكتار"، بحسب المنسق الوطني لمنظمة العمل الدولية، منعم الخميسي.

ومنطقة الشمال الغربي من أخصب المناطق الزراعية في تونس حيث تزود البلاد بالحبوب والغلال والخضروات وتتواجد فيها أهم السدود التي تراجع معدل امتلائها إلى نحو 24 بالمئة بسبب النقص الكبير في كميات الأمطار، ما أدى إلى تلف كامل محصول الحبوب تقريبا خلال العام 2023.

وقامت السلطات التونسية قبل ثورة 2011 بدراسة لفكرة إنجاز السد الصغير وخلصت إلى أنه "لا مردودية للمشروع".

وتفسر الزواوي ذلك بأن "السلطات إمكانياتها محدودة ولا تملك الموارد المالية لتنفيذها ولديها أولويات أخرى، لا يمكن أن ننكر هذه الحقيقة".

حياة جديدة

بدأ حلم الزواوي يتحقق بدعم دولي للفكرة في العام 2019، وكان ذلك بالنسبة للمزارعة "فرصة يجب أن نكون في المستوى وديمومته والحفاظ عليه".

ساعد المشروع فلاحي المنطقة في توفير مياه للسقي

ويوضح المنسق الوطني لمنظمة العمل الدولية، منعم الخميسي، أن "المشروع مبادرة نموذجية للتنمية المحلية المندمجة".

بلغت تكلفة المشروع 350 ألف دينار، وساهم المزارعون المحليون بـ10 في المئة من التكلفة بشراء بعض المعدات والمشاركة بأيام عمل لإتمامه.

ويضيف الخميسي "المنظمة لا تأخذ مكان الدولة بل ندعم جهودها في تنفيذ بعض المشاريع النموذجية فنيا وماليا لمقاومة التغير المناخي وإحداث مواطن الشغل في المناطق المهمشة" على غرار منطقة الشمال الغربي الذي تناهز فيها نسبة لبطالة 20 في المئة".

قبل إنجاز المشروع، نزح مزارعو المنطقة وغير بعضهم النشاط الاقتصادي  لأن مردودية الزراعة لم تعد تكفي لتلبية متطلبات مصاريف العائلة.
تنساب الماء من القناة لتصل إلى 45 مزرعة (يتراوح معدل مساحاتها بين هكتار وهكتارين) لسقي محاصيلها بعملية تناوب تدوم 24 ساعة لكل مجموعة من المزارعين.

واجهت الزواوي صعوبة في إقناع المزارعين لتبني المشروع لأن "الناس فقدت الثقة في الدولة وكل مسؤول يزور المنطقة يظن المزارعون أنه قادم من أجل أهداف انتخابية، لذلك جلست معهم وقمت بإقناعهم بأن الماء سيعود من دون مقابل". 

تمر القناة بحقل ربح الفزعي (58 عاما) الممتد على نحو هكتار غرست فيه ذرة وخضروات. وتفصح "هذا المشروع غيّر حياتنا بشكل كبير، أصبحنا ننفق على العائلة من خلال بيع منتوجنا".

وتضيف "أحفادي يساعدوني في السقي اليوم".

تواصل الساقية تمددها وصولا لحقل عبد الله القضقاضي (54 عاما)، الأب لخمسة أولاد. ويقول "تراجعت مساحة الزرع في حقلي إلى الثلث قبل إنجاز المشروع"، لكن وصول المياه مكّنه من إعادة توسيع المساحة شيئا فشيئا.   

 

المصدر: فرنس بريس