مجموعة من "الفلاقة" التونسيين

مع إحياء كل احتفال وطني، يحيي  التونسيون على منصات التواصل الاجتماعي بـ"فخر" النقاشات حول رموز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي الذي استمر بين العامين 1881 و 1956.

وإلى جانب دور قادة "الحركة الوطنية" من ساسة ونقابيين على غرار فرحات حشاد وصالح بن يوسف والحبيب بورقيبة الذي تولى لاحقا رئاسة البلاد، تحظى جهود  أعضاء المقاومة المسلحة المعروفين محليا باسم "الفلاقة" بتقدير كبير في الأوساط الشعبية.

ورغم أن دخول المستعمر إلى هذا البلد المغاربي جاء بمواقفة باي البلاد محمد الصادق إثر توقيعه على "معاهدة حماية" في 1881، فإن هذا الغزو لم يكن مجرد "جولة حسب ما جال في عقل القيادة العسكرية الفرنسية بالنظر إلى رفض غالبية القبائل التي بادرت إلى المقاومة المسلحة وانضم إليها العديد من الجنود الفارين"، وفق ما أورده تقرير بالموقع الإعلامي لوزارة الدفاع التونسية.

ويذكر التقرير أن المنتمين للمقاومة تجاوزوا  "نقص السلاح بفضل الأساليب المعتمدة من قبلهم  وتعبئتهم المعنوية الكبيرة وهكذا لم تجد فرنسا نفسها في مواجهة جيش نظامي يعتمد الأساليب الحربية التقليدية بل أمام مجموعات تعتمد تكتيك حرب العصابات والمدن وقطع طرق الاتصال والنقل والإضرار بالمؤسسات والممتلكات الحكومية وكذلك الملكيات الزراعية للمعمرين".

وكردة فعل على تمكن الفرنسيين من غزو أجزاء من البلاد، اجتمع ممثلو عدة قبائل بجامع عقبة بمدينة القيروان في يونيو 1881 برئاسة المقاوم علي بن خليفة.

وأجمع ممثلو هذه القبائل على ما يوصف بـ "ميثاق شرف" لمواصلة المقاومة المسلحة وقد انخرطت العديد من القبائل بشمال البلاد وجنوبها ووسطها في هذا العمل مدعومين بعسكريين نظاميين رفضوا الهدنة وانضموا بدورهم إلى المقاومة على غرار قائد المدفعية في صفاقس محمد الشريف.

"أصوات مغاربية" تستعرض لكم وجوها بارزة من لائحة طويلة من المقاومين الذين ساهموا في دحر المستعمر اعتمادا على أسلحة حرب بدائية مقارنة بالترسانة التي كان يمتلك الجيش الفرنسي.

 

علي بن خليفة

يعد علي بن خليفة (1807-1885) أحد أول قادة المقاومة التونسية للاستعمار الفرنسي بإشرافه بين 15 و 20 يونيو 1881 على اجتماع لزعماء القبائل بجامع عقبة بن نافع رفضا لـ"وثيقة الحماية" رغم أنه كان مسؤولا معينا من قبل الباي.

قاد بن خليفة معارك ضارية للذود عن صفاقس وقابس جنوب البلاد قبل أن ينسحب إلى ليبيا بعد نجاح الفرنسيين في غزو المدينتين.

ووفقا لما  جاء في كتاب "المقاومة التونسية المسلحة" للمؤرخين عدنان منصر وعميرة علية الصغير فإن "مقاومة بن خليفة لم تنقطع بالهجرة إذ نظم عدة عمليات إغارة على التراب التونسي إلى حدود وفاته".

 

محمد الدغباجي :

يعد محمد  الدغباجي (1885 و 1924) أحد أشهر المقاومين في تونس الذين لا تزال تحتفظ الذاكرة الشعبية ببطولاتهم التي رسختها أيضا أشعار وأغاني حول مسيرته. 

قام الجيش الفرنسي بتجنيد الدغباجي عام 1907 وقد تم توجيهه إلى الحدود الليبية ضمن التعزيزات التي أرسلت إلى هناك، لكنه سارع بالفرار من تلك المؤسسة لينضم لاحقا إلى رفاقه من المقاومين.

وشارك الدغباجي في عدة معارك ضارية ضد الفرنسيين من أبرزها معركة "جبل بوهدمة" عام 1919 ومعركة "الزلوزة" عام 1920، قبل أن يتم القبض عليه من قبل الإيطاليين ليُسلّم إلى الجيش الفرنسي الذي نفذ فيه حكم الإعدام بمدينة الحامة مطلع مارس 1924.

مصباح الجربوع :

ولئن مثل الدغباجي وبن خليفة وغيرهم الرعيل الأول من المقاومين، فإن جيلا جديدا ظهر في لاحقا ليواصل مسيرة المطالبة باستقلال البلاد لعل من أبرزهم مصباح الجربوع (1914- 1958 ) الذي قاد منطقة الجنوب.

كان الجربوع يشتغل تاجرا قبل أن يلتحق بصفوف "الفلاقة" عام 1952 ليخوض عدة معارك من بينها معركة جبل مطير التي استعمل فيها لجيش الفرنسي العتاد الثقيل كالطائرات والدبابات فقتل 5 مقاومين مقابل العشرات بين جنود فرنسيين والمتعاونين معهم.

بعد نيل البلاد لاستقلالها، شارك الجربوع في معارك الجلاء عن الأراضي التونسية ليقتل في هجوم فرنسي في ماي 1958.

تقول الباحثة في التاريخ فاطمة جراد  في مقال لها إن  "اغتيال الجربوع أخذ بعدا أسطوريا في الأوساط الشعبية وبلغ قمة المجد فرثاه الشعراء الشعبيون ونسجت الذاكرة نهاية تليق بنضاله حيث شاع بأنه قتل وهو يحاول التصدي لقصف الطائرات الفرنسية قرب ثكنة رمادة. وهي الرواية التي تنطبق مع الرواية الرسمية".

 

المصدر: أصوات مغاربية

 

 

مواضيع ذات صلة

الثلوج تكسو واحات نخيل بزاكورة، جنوب شرق المغرب (أرشيفية)
الثلوج تكسو واحات نخيل بزاكورة، جنوب شرق المغرب (أرشيفية)

لا يحجب تهاطل كميات كبيرة من الأمطار وتسببها في سقوط العديد من الضحايا وتدمير جزء من البنى التحتية "استبشار" العديد من سكان المناطق والقرى المغاربية المعروفة بمناخها الجاف بتلك التساقطات خاصة أنها تأتي بعد سنوات طويلة من الجفاف.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، انتشرت مقاطع فيديو وصور توثق لـ"عودة الحياة" إلى العديد من المناطق الجافة، ما جعلها قبلة يحرص جزء من سكان المدن على زيارتها.

ففي موريتانيا التي يؤثر التصحر على ما يقرب من 84 بالمئة من إجمالي مساحتها، وفق أرقام وزارة البيئة، نشر نشطاء صورا تُظهر نمو الغطاء النباتي في العديد من المناطق الصحراوية الجافة بفعل تهاطل كميات كبيرة من الأمطار في الفترة الأخيرة.

🔴🔴| حمولة لا باس بها فهاد الأثناء ولله الحمد لواد زاوية سيدي بلال القادم من بوزار في اتجاه واد أحميدي الكبير . الحمد لله...

Posted by ‎زاوية سيدي بلال بعيون أبنائها‎ on Saturday, September 7, 2024

وفي المغرب، الذي يعاني شح المياه بعد ستة أعوام من الجفاف وانخفاض مخزون السدود إلى أقل من 28 بالمئة نهاية أغسطس، لقي أشخاص عدة مصرعهم إثر أمطار غزيرة شهدتها المنطقة.

ورغم الخسائر البشرية والمادية الفادحة لهذه الفيضانات، فإن ذلك لم يمنع سكان هذه المناطق من التعبير عن فرحتهم بعد سنوات طويلة من الجفاف.

وقال أحد سكان مدينة ورزازات لفرانس برس "لم نعرف مثل هذه الأمطار منذ نحو عشر سنوات. لقد جاءت في ظرف مهم لأن المنطقة تعاني الجفاف منذ عقد".

ويعد الجفاف مشكلة كبيرة في المغرب نظرا لتأثيره المباشر على القطاع الزراعي الذي يشغّل نحو ثلث السكان في سن العمل، ويمثل نحو 14 في المئة من الصادرات.

🔴👈 منظر مذهل 😍 حيث تحولت صحاري جنوب #الجزائر 🇩🇿 إلى #مروج خضراء بسبب #العواصف المدارية المتتالية في الآونة الأخيرة (أقوى وأكثر استمرارية من أي وقت مضى) ⛈️ #تمنراست .

Posted by ‎الجلفة تاريخ وحضارة‎ on Monday, September 9, 2024

وامتدت الظروف المناخية إلى غرب الجزائر أيضا، حيث هطلت أمطار غزيرة سببت سيولا جارفة اضطُرت مصالح الوقاية المدنية للتدخل مرات عدة ليل السبت الأحد، وفق ما أفادت في بيان.

وانُتشل جثمان فتاة جرفتها السيول في ولاية إليزي، فيما يتواصل البحث عن شخص آخر كان عالقا داخل سيارة داهمتها سيول في ولاية تمنراست، بحسب المصدر نفسه، علما أن كلا الولايتين في أقصى جنوب البلاد ومعروفتين بجفافهما.

تغيير استثنائي أم دائم؟

ويرجح الخبير المغربي في المناخ، محمد بنعبو، أن "تستمر التغيرات المناخية في التزايد خلال السنوات المقبلة، لتصبح أكثر عنفا وتطرفا"، معبرا عن مخاوفه من "آثارها السلبية على البنى التحتية وحياة السكان".

وقال بنعبو في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إن "بعض المناطق في المملكة المغربية استقبلت خلال 48 ساعة فحسب أزيد من ضعف معدلات التساقطات المطرية السنوية".

 

وأوضح بن عبو أن "بعض الأدوية لم تشهد سيلانا للمياه منذ 7 عقود"، مشيرا إلى أن "صحاري قاحلة شهدت موجات أمطار طوفانية أعادت الحيوية لهذه المناطق وأحيت مجموعات بيولوجية وطبيعية كادت أن تنقرض".

وتابع أن "هذه الأمطار تعيد الحياة للعديد من المنظومات البيولوجية، لكن ذلك لا ينفي المخاطر الكبيرة للتغيرات المناخية التي باتت تتسم بالتطرف".

 

المصدر: أصوات مغاربية