تثير ساعة فريدة تعتلي مئذنة بالجامع الكبير بـ "تستور" فضول زوار هذه المدينة التابعة لولاية باجة التونسية.
يستغرب كل من يمتلك الصبر للجلوس والتدقيق ملياً في الساعة إلى ميكانيكيتها الفريدة، إذ تُدير الزمن عكساً، فعقاربها تتحرك بخلاف الساعات العادية من اليمين إلى اليسار.
ويُعد الجامع الكبير بهذه المدينة - التي أسسها المهاجرون الأندلسيون عام 1609- من أبرز المعالم التاريخية المميزة لتونس التي تلاحَم فيها العنصر الأمازيغي بالعربي والأندلسي منذ قرون.
ساعة "تستور"
وضعت ساعة "تستور" على مئذنة الجامع الكبير عام 1630، ويقال إن مهندسا أندلسيا يدعى محمد تغرينو هو الذي صمّمها، لتكمل مشهدا هندسيا رائعا للصومعة المزينة بالزليج والتشكيلات الزخرفية للمعمار الأندلسي.
ويعتقد البعض أن تصميم الساعة لتدور عقاربها إلى الخلف سببه يعود إلى حنين المهجّرين من الأندلس لبلادهم والرغبة العارمة في عودة الزمن إلى الوراء، بينما يشير آخرون إلى أن التصميم يحاكي الجسد البشري الذي يضخ الدم وفق اتجاهات دوران عقارب الساعة.
وهناك أيضا تفسيرات أخرى تشير إلى أن الهدف ليس هو إظهار البراعة أو الحنين إلى الأندلس، إنما جعل مسارها شبيهاً بمسار الحجاج الطائفين على الكعبة.
وليست الساعة الفريدة فقط هي التي تجعل الجامع الكبير وسط المدينة العتيقة لـ"تستور"، منبع إعجاب الزوار، إنما أيضا كون هذه المعلمة تشهد على التعايش الديني بالمدينة.
ووفق رئيس جمعية حماية مدينة تستور، رشيد سوسي، فإن "مئذنة الجامع الكبير بها ما يمثل الأديان الثلاثة، الإسلام بالطبع، نجمة داود التي نعرفها، وكذلك الثالوث المسيحي المقدس، موجود على شكل ثلاثة مجالات، وهؤلاء الثلاثة يمثلون الأب والابن والروح القدس".
وأضاف، في تقرير نشرته رويترز، أن "رموز الديانات الثلاث تشير دون أدنى شك إلى التسامح الذي ساد بين مختلف السكان الموجودين في المدينة".
وفي 2014، نجح عبد الحليم الكوندي، وهو مهندس تونسي مخضرم، في قيادة مبادرة لإرجاع عقارب الساعة إلى العمل وترميم المكان والتعريف به.
ومنذ ذلك الحين، تم أيضا إطلاق مبادرات تسعى إلى تسجيل الساعة الفريدة بقائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
وفي تصريحات للإعلام المحلي، قال الكوندي، وهو مؤلف كتاب عن الساعة، إن "المورسكيين، وهم الجالية الأخيرة التي فرّت من إسبانيا تحت ضغط الكنيسة الكاثوليكية، وصلوا إلى شمال أفريقيا، واستقر بعضهم ببلدة تستور التونسية، وبنوا البلدة على النمط الأندلسي".
وأضاف، في مقابلة مع إذاعة "جوهرة أ ف أم"، أن "الفوج الأخير وصل في 1609، وفي 1630 بنوا صومعة جميلة بزخرفة فريدة، ووضعوا عليها ساعة لأول مرة في تاريخ المعمار الإسلامي، إذ تنبهوا إلى أهمية وضع ساعة لمساعدة المصلين على تحديد أوقات الصلاة وعدم اعتماد حصرا على الآذان".
وبخصوص سبب هندسة الساعة عكسياّ، قال إن "هناك تفسيرات عدة لقصة هذه الساعة التي يمتد عمرها لـ300 عام، وأبرزها رغبة هؤلاء لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء واسترجاع ممتلكاتهم وأرضيهم بإسبانيا".
- المصدر: أصوات مغاربية