Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

صورة ماجل بمحافظة قابس جنوب تونس- مصدر الصورة: صفحة المرصد التونسي للمياه على فيسبوك
صورة ماجل بمحافظة قابس جنوب تونس- المصدر: صفحة المرصد التونسي للمياه على فيسبوك

قبل مد شبكات المياه الصالحة للشرب، قاوم التونسيون قديما العطش عبر تقنيات متعددة لعل من أهمها "المواجل" التي لا تزال إلى اليوم منتشرة على نطاق واسع خاصة في المناطق الجافة أو البعيدة عن المصادر الطبيعية للمياه.

ومع دخول البلاد في "أزمة عطش" وموجات جفاف حادة تجددت الدعوات لإحياء هذا التقليد الذي يوصف بأنه "سلاح فعال" ضد ندرة المياه.

كيف يشيد "الماجل" ؟

"المواجل" ومفردها "ماجل" هي عبارة عن خزانات للمياه يتم تشييدها بحفر "بئر" بعمق بضعة أمتار تتسع في الأسفل وتضيق كلما اتجهت نحو الأعلى.

وبعد انتهاء الحفر اليدوي الذي يستمر عدة أيام تبدأ عملية تبليط قاع "الماجل" وجدرانه بواسطة الإسمنت والحجارة ومواد أخرى للحفاظ عليه من التصدع والتشقق.

تختلف أماكن تشييد هذه المنشآت إذ يضعها البعض في ساحات المنازل ليربطوها عبر أنبوب بلاستيكي أسطواني مع سطح البيت بينما يختار آخرون بناءها في الأراضي والمساحات الشاغرة.

ومع تساقط الأمطار في فصل الشتاء تتجمع المياه في أسطح البيوت لتنزل عبر الأنبوب البلاستيكي  الذي يسمى "ميزاب" إلى "الماجل" وكذلك الأمر  بالنسبة للمنشآت المشيدة خارجا إذ يتم وضع حواجز ترابية لتوجيه تدفق المياه إلى الماجل.

و"للمواجل" "دخّالة" لإدخال الماء و"خرّاجة" لتصريف المياه الزائدة عن طاقة الاستيعاب تجنبا لتصدع جدرانها أو فيضان الماء داخلها.

ومع قدوم فصل الصيف، يلجأ السكان إلى هذه "المواجل" لسقي أشجارهم أو استغلال مياهها في الشرب والطبخ والغسل وغيرها من الأنشطة.

عملية استخراج المياه تتم بطريقتين الأولى تقليدية عبر ربط سطل حديدي أو بلاسيتكي بحبل طويل يصل أعماق الماجل والثانية أكثر تطورا اعتمادا على مولدات لتصعيد المياه إلى الأعلى ومن ثمة تصريفها إلى الأشجار والأغراس القريبة.

وكسائر المنشآت يتطلب "الماجل" عمليات صيانة دورية تُجرى عادة في فصل الصيف لإفراغه نهائيا من الماء وإخراج الترسبات قبل تنظيفه استعداد لنزول الأمطار في الأشهر التالية.

ولا تزال هذه "المنشآت" منتشرة بكثافة في الأرياف والقرى والمدن وقد وجد فيها كثيرون حلا لأزمات انقطاع المياه المتكررة التي تعيشها البلاد.

دعوات لإحياء هذا التقليد

يرى خبراء في المناخ أن إحياء تقليد "المواجل" بات حاجة ملحة للتونسيين في ظل "الفقر المائي" الذي تعيشه البلاد.

وتراجع نصيب التونسي من المياه إلى حدود 450 مترا مكعبا حاليا مقابل نحو 1000 متر مكعب من الماء سنويا كمعدل عام خلال الستينات، وفق دراسة سابقة لعمادة المهندسين.

ويقول الخبير المختص في التنمية وإدارة الموارد حسين الرحيلي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إن "المواجل وأحواض تجميع المياه موجودة منذ آلاف السنوات في محافظات صفاقس وقفصة والمناطق البربرية جنوب البلاد".

واعتبر أن "الإنسان القديم كان يعرف أنه يعيش في بلاد فيها ندرة مياه وكل قطرة لا بد لها أن تذهب إلى مكانها".

وشدد الرحيلي على "ضرورة إعطاء حوافز مالية كبرى تصل قيمتها إلى 60 بالمئة من كلفة تشييد المواجل والفسقيات خصوصا في المدن الكبرى لضمان تجميع مياه الأمطار"، قائلا إن "هذا الحل يُمكّن من ربح سعة 4 سدود".

جهود حكومية للعودة إلى "المواجل"

سبق للسلطات التونسية أن سنت تشريعات وقوانين لتشجيع المواطنين على العودة إلى تشييد المواجل والفسقيات، غير أن هذه الجهود اصطدمت بعدة عراقيل حالت دون تحقيق المأمول.

ففي عام 2016 خصصت وزارة التجهيز لمالكي المساكن الراغبين في بناء "مواجل" منحا مالية وقروضا لتشجيعهم على هذه الخطوة.

وسنة 2023 خصصت الدولة في قانون ماليتها نحو 650 ألف دولار لمنح قروض دون فائدة في حدود 6500 دولار لتمويل منشآت لتخزين المياه.

لكن الرحيلي يرى أن إحياء هذا التقليد يتطلب "تصورا مجتمعيا وليس مجرد قرار صادر عن عضو حكومي ما يفسر بقاء هذه الإجراءات دون تطبيق".

وفسر تعثّر "الجهود" الحكومية في هذا السياق، بأن "تلك القرارات لم تكن ملزمة خاصة أن العملية معقدة وتتطلب إعادة النظر في هيكلة المدن بصفة عامة".

  • المصدر: أصوات مغاربية
     

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية