يحيي الليبيون اليوم السبت الذكرى 108 لمعركة "القرضابية" الشهيرة، إحدى المعارك الفاصلة في تاريخ كفاحهم ضد الاحتلال الإيطالي، والتي تعرف أيضاً باسم "أم المعارك" أو "معركة الوحدة الوطنية" بسبب مشاركة جميع أبناء ليبيا فيها.
وتكمن أهمية المعركة، التي دارت رحاها في 29 أبريل من 1915، جنوب مدينة سرت (وسط)، في كونها أول معركة يلتئم فيها الليبيون في ملحمة تاريخية ترمز إلى وحدة البلاد، وهو ما ساعدهم على إلحاق أكبر هزيمة للإيطاليين منذ بدء احتلالهم لهذا البلد المغاربي عام 2011.
في 29 أبريل من سنة 1915 وقعت "أم المعارك" معركة القرضابية في #سرت#ليبيا pic.twitter.com/VKWki6nK8R
— شبكة الرائد الإعلامية (@arraedlgplus) April 29, 2023
نحو فزان
وبدأت الأحداث لتي قادت إلى تلك الموقعة الشهيرة بعد خسارة الإيطاليين بقيادة الكولونيل "انتونيو مياني" إقليم "فزان" (جنوب ليبيا الغربي) في ديسمبر 2014، بعد سيطرتهم عليه لعام كامل أملاً في ربطه بشمال ووسط البلاد وصولاً إلى شرقها.
وعلى إثر خسارة فزان استدعي مياني إلى إيطاليا وهناك كلف بقيادة حملة جديدة نحو فزان ولكن بأساليب جديدة تتضمن استمالة زعامات محلية بالمال وغيره، وبالفعل وافق قادة القبائل في غرب البلاد على طلب أمياني في الظاهر، بينما كانوا يعدون له "الخديعة" والتي قادت لاحقاً إلى هزيمته في المعركة، كما تذكر المصادر التاريخية.
#معركةالقرضابية
— Fatima Alzahraa (@HGCgiwtCqPhYZIY) April 29, 2023
بصادف اليوم29 ابريل 1915 معركة القرضابية
المكان: مدينة سرت
النتيجة: هزيمة 🇮🇹ايطاليا..
القادة المجاهد صالح الأطيوش وحمد بن سيف النصر وصفي الدين السنوسي🇱🇾
والجنرال مياني قائد الجيش الايطالي.. pic.twitter.com/ShO6gPJE0G
وتشير ذات المصادر إلى أن قوة إيطالية قوامها 14 ألف جندي تحركت من ناحية الغرب في اتجاه سرت مدعمة بالمرتزقة الأحباش والأريتريين ومصحوبة بمن استمالتهم من القبائل الليبية بقيادة زعامات محلية من مصراتة وبني وليد، وقادة آخرين من ترهونة ومسلاتة وزليتن والزاوية وغيرها، فيما كانت قيادة الجيش تحت إمرة الكولونيل مياني.
نهار القرضابية
وصبيحة يوم 29 أبريل 1915 صدرت الأوامر بالهجوم على المقاومين الليبيين الذين تجمعو قرب "قصر بوهادي"جنوب سرت، بقيادة صفي الدين السنوسي القائد العام للقوات، إضافة إلى صالح الأطيوش قائداً لـ"دور" (أي معسكر) قبيلة المغاربة، وحمد بن سيف النصر قائداً لـ"دور" أولاد سليمان.
وخلال وقت قصير التقت طلائع الجيش الإيطالي بالمقاومين الليبيين في منطقة القرضابية (قرب سرت) والتحموا في معركة عنيفة استخدم فيها "مياني" المدفعية والرصاص وكانت الغلبة في بدايتها للجيش الإيطالي حيث قتل نحو 400 من أفراد المقاومة الليبية في الساعات الأولى.
وحتى تلك اللحظة لم يتدخل المقاتلون المحليون الذين جاؤوا في صفوف الجيش الإيطالي، إلى أن حانت لحظة الحسم بهجوم أحمد سيف النصر (قائد المقاومين) بخيله على مقدمة الجيش الإيطالي، وهنا صدر أمر بإطلاق النار على الإيطاليين من الخلف، فكان الفخ محكماً و أوقع فيه المقاتلون الليبيون معظم أفراد الجيش الإيطالي قتلى.
ذكرى معركة القرضابية
— ۞ سيف الإسلام البرعصي ۞ض (@sayf200069) April 29, 2023
29/أبريل/1915
معركة الوحدة الوطنية
تعتبر معركة القرضابية معركة فاصلة في الجهاد الليبي ضد الطليان فهي تعرف بمعركة الوحدة الوطنية إذ شارك فيها جميع أبناء ليبيا كما أنها شكلت البداية لاندحار الإيطالييين فعقب هذه المعركة سقطت الحاميات الإيطالية الواحدة تلو الأخرى pic.twitter.com/GSGa4oO8bF
ويذكر كتاب "نحو فزان" للجنرال غراتسياني فيما بعد، أن عبد النبي بلخير ، قائد قوات "ورفلة" الذي جاء هو الآخر في صفوف الإيطاليين، كان قد اتفق مع رمضان السويحلي على الغدر بالطليان، وهو ما فسر انسحابه بقواته قبيل المعركة بحجة العودة إلى بني وليد للدفاع عن الحامية الإيطالية هناك من هجمات المقاومة الليبية في حال خسارتها.
وتشير مصادر تاريخية إلى أن الجيش الإيطالي الذي وقع بين كماشة المقاومين بقيادة صفي الدين السنوسي من الأمام وفرسان القبائل الذين جاؤوا معه من الخلف، خسر معظم مقاتليه ولم ينج منهم سوى 500 جندي، عاد بهم مياني الجريح إلى سرت شمالاً تاركاً وراءه ما كان مع جيشه من معدات الحرب من إبل وخيل وبنادق ومدافع ورشاشات.
وبمجرد عودة القوات الإيطالية مهزومة إلى سرت نفذت هناك "حملة انتقام" مروعة ضد السكان المحليين دامت 3 أيام، فيما جرد مياني جميع الليبيين هناك من الأسلحة وعقد مجلسا عسكريا وحكم بالإعدام على كثير من السكان وفي مقدمتهم الأعيان والرؤساء انتقاماً لهزيمته، كما نفي أكثر من 1000 شخص إلى إيطاليا أكثرهم من السكان والحمالين الذين استأجروا جمالهم..
درس سرت المستفاد
وفضلاً عن التفاصيل الكثيرة التي أوردتها مراجع تاريخية عن معركة القرضابية وما حصل خلالها، يرى مؤرخون أنها اشتملت على دروس تاريخية هامة بالنسبة لليبيين تمثلت في أن القوة تأتي في الاتحاد.
يذكر أن كل المعارك التي خاضتها المقاومة الليبية قبل القرضابية خاضتها بشكل منفصل كل في مناطقه ولم يلتهم مقاتلو الغرب بمقاتلي الشرق إلا في معركة القرضابية.
ويصف الباحث والأكاديمي الليبي، مبروك الغزالي، أهمية تلك المعركة بالقول إنها "فاصلة في تاريخ المقاومة الليبية ضد الطليان، وتعرف بمعركة الوحدة الوطنية، إذ شارك فيها جميع أبناء ليبيا. وكادت تؤدي إلى اندحار إيطاليا من ليبيا".
واليوم بعد أكثر من قرن على معركة "القرضابية" يرى كثيرون أن "معركة الليبيين" لرص صفوفهم والمحافظة على وحدتهم لم تنتهي بعد، فيما يؤكد آخرون إن "التاريخ يعيد نفسه" في إشارة إلى أن سرت التي تشهد اجتماعاتلتوحيد االمؤسسة العسكرية بين الشرق والغرب، هي ذاتها المدينة التي دارت على ترابها معركة القرضابية التي والتحم فيها أجدادهم من الشرق والغرب في جيش واحد.
المصدر : أصوات مغاربية / مصادر محلية