معركة القرضابية
صورة أرشيفية لفرسان من المقاومة الليبية

 يحيي الليبيون اليوم السبت الذكرى 108 لمعركة "القرضابية" الشهيرة، إحدى المعارك الفاصلة في تاريخ كفاحهم ضد الاحتلال الإيطالي، والتي تعرف أيضاً باسم "أم المعارك" أو "معركة الوحدة الوطنية" بسبب مشاركة جميع أبناء ليبيا فيها.

وتكمن أهمية المعركة، التي دارت رحاها في 29 أبريل من 1915، جنوب مدينة سرت (وسط)، في كونها أول معركة يلتئم فيها الليبيون في ملحمة تاريخية ترمز إلى وحدة البلاد، وهو ما ساعدهم على إلحاق أكبر هزيمة للإيطاليين منذ بدء احتلالهم لهذا البلد المغاربي عام 2011. 

نحو فزان 

وبدأت الأحداث لتي قادت إلى تلك الموقعة الشهيرة بعد خسارة الإيطاليين بقيادة الكولونيل "انتونيو مياني" إقليم "فزان" (جنوب ليبيا الغربي) في ديسمبر 2014، بعد سيطرتهم عليه لعام كامل أملاً  في ربطه بشمال ووسط البلاد وصولاً إلى شرقها.

 وعلى إثر خسارة فزان استدعي مياني إلى إيطاليا وهناك كلف بقيادة حملة جديدة نحو فزان  ولكن بأساليب جديدة تتضمن استمالة زعامات محلية بالمال وغيره، وبالفعل وافق قادة القبائل في غرب البلاد على طلب أمياني في الظاهر، بينما كانوا يعدون له "الخديعة" والتي قادت لاحقاً إلى هزيمته في المعركة، كما تذكر المصادر التاريخية.

وتشير ذات المصادر  إلى أن قوة إيطالية قوامها 14 ألف جندي تحركت من ناحية الغرب في اتجاه سرت مدعمة بالمرتزقة الأحباش والأريتريين ومصحوبة بمن استمالتهم من القبائل الليبية بقيادة زعامات محلية من مصراتة وبني وليد، وقادة آخرين من ترهونة ومسلاتة وزليتن والزاوية وغيرها، فيما كانت قيادة الجيش تحت إمرة الكولونيل مياني.

نهار القرضابية

وصبيحة يوم 29 أبريل 1915 صدرت الأوامر بالهجوم على المقاومين الليبيين الذين تجمعو قرب "قصر بوهادي"جنوب سرت، بقيادة صفي الدين السنوسي القائد العام للقوات، إضافة إلى صالح الأطيوش قائداً لـ"دور"  (أي معسكر) قبيلة المغاربة، وحمد بن سيف النصر قائداً لـ"دور" أولاد سليمان.

وخلال وقت قصير التقت طلائع الجيش الإيطالي بالمقاومين الليبيين في منطقة القرضابية (قرب سرت) والتحموا في معركة عنيفة استخدم فيها "مياني" المدفعية والرصاص وكانت الغلبة في بدايتها للجيش الإيطالي حيث قتل نحو 400 من أفراد المقاومة الليبية في الساعات الأولى.

وحتى تلك اللحظة لم يتدخل المقاتلون المحليون الذين جاؤوا في صفوف الجيش الإيطالي، إلى أن حانت لحظة الحسم بهجوم  أحمد سيف النصر (قائد المقاومين) بخيله على مقدمة الجيش الإيطالي، وهنا صدر أمر بإطلاق النار على الإيطاليين من الخلف، فكان الفخ محكماً و أوقع فيه المقاتلون الليبيون معظم أفراد الجيش الإيطالي قتلى.

ويذكر كتاب "نحو فزان" للجنرال غراتسياني فيما بعد، أن عبد النبي بلخير ، قائد قوات "ورفلة" الذي جاء هو الآخر في صفوف الإيطاليين، كان قد اتفق مع رمضان السويحلي على الغدر بالطليان، وهو ما فسر انسحابه بقواته قبيل المعركة بحجة العودة إلى بني وليد للدفاع عن الحامية الإيطالية هناك من هجمات المقاومة الليبية في حال خسارتها.

وتشير مصادر تاريخية إلى أن الجيش الإيطالي الذي وقع بين كماشة المقاومين بقيادة صفي الدين السنوسي من الأمام وفرسان القبائل الذين جاؤوا معه من الخلف، خسر معظم مقاتليه ولم ينج منهم سوى  500 جندي،  عاد بهم مياني الجريح إلى سرت شمالاً تاركاً وراءه ما كان مع جيشه من معدات الحرب من إبل وخيل وبنادق ومدافع ورشاشات.

وبمجرد عودة القوات الإيطالية مهزومة إلى سرت نفذت هناك "حملة انتقام" مروعة ضد السكان المحليين دامت 3 أيام، فيما جرد مياني جميع الليبيين هناك من الأسلحة وعقد مجلسا عسكريا وحكم بالإعدام على كثير من السكان وفي مقدمتهم الأعيان والرؤساء انتقاماً لهزيمته، كما نفي أكثر من 1000 شخص إلى إيطاليا أكثرهم من السكان والحمالين الذين استأجروا جمالهم..

درس سرت المستفاد

وفضلاً عن التفاصيل الكثيرة  التي أوردتها مراجع تاريخية عن معركة القرضابية وما حصل خلالها، يرى مؤرخون أنها اشتملت على دروس تاريخية هامة بالنسبة لليبيين تمثلت في أن القوة تأتي في الاتحاد.

يذكر أن كل المعارك التي خاضتها المقاومة الليبية قبل القرضابية خاضتها بشكل منفصل كل في مناطقه ولم يلتهم مقاتلو الغرب بمقاتلي الشرق إلا في معركة القرضابية.

ويصف الباحث والأكاديمي الليبي، مبروك الغزالي، أهمية تلك المعركة بالقول إنها "فاصلة في تاريخ المقاومة الليبية ضد الطليان، وتعرف بمعركة الوحدة الوطنية، إذ شارك فيها جميع أبناء ليبيا. وكادت تؤدي إلى اندحار إيطاليا من ليبيا".

واليوم بعد أكثر من قرن على معركة "القرضابية" يرى كثيرون أن "معركة الليبيين" لرص صفوفهم والمحافظة على وحدتهم لم تنتهي بعد، فيما يؤكد آخرون إن "التاريخ يعيد نفسه" في إشارة إلى أن سرت التي تشهد اجتماعاتلتوحيد االمؤسسة العسكرية بين الشرق والغرب، هي ذاتها المدينة التي دارت على ترابها معركة القرضابية التي والتحم فيها أجدادهم من الشرق والغرب في جيش واحد.

المصدر : أصوات مغاربية / مصادر محلية

مواضيع ذات صلة

فيتشر

تستقطب آلاف الزوار.. أجواء فريدة تميز القيروان التونسية في المولد النبوي

15 سبتمبر 2024

توافد عشرات الآلاف من التونسيين، السبت، إلى مدينة القيروان وسط البلاد، حيث تقام سنويا احتفالات بمناسبة المولد النبوي.

وتكتسب مدينة القيروان أهمية تاريخية عند التونسيين، إذ تضم بين أسوارها جامع عقبة بن نافع ومقام أبو زمعة البلوي الذي تحول إلى مزار يتبرك به القادمون من مختلف مدن البلاد.

ما قصة الاحتفالات بالقيروان؟

تشهد جل المدن التونسية احتفالات بالمولد النبوي، غير أن القيروان نجحت في جذب شرائح عدة خصوصا بعد تنظيم مهرجان متخصص في هذه الاحتفالات بها.

ويقول رئيس جمعية "تراثنا" التونسية، زين العابدين بلحارث، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن "للقيروان مكانة خاصة في قلوب التونسيين بسبب وجود معالم دينية تاريخية كجامع عقبة بن نافع ومقام أبو زمعة البلوي بها".

ويضيف بلحارث أن "تنظيم مهرجان الاحتفال بالمولد النبوي، الذي تشرف عليه جمعية متخصصة، سمح باستقطاب مئات الآلاف من الزوار لتصبح القيروان الوجهة الأولى للتونسيين خلال هذه المناسبة الدينية".

وعلى امتداد أيام، تقام العديد من الاحتفالات ذات الطابع الروحي والديني في الفضاءات العامة والمعالم التاريخية في المدينة.

ومن بين الاحتفالات الدينية التي تحظى باهتمام واسع خلال هذه المناسبة جلسات المديح النبوي والمقامات والأناشيد الدينية والحفلات الصوفية بالمساجد والفضاءات الثقافية.

كما تستفيد المدينة من توافد مئات الآلاف من الزوار  لإقامة العروض التجارية، وهي متنفس حقيقي للحركة التجارية بهذه المنطقة التي تصنف ضمن قائمة المحافظات الأكثر فقرا بتونس.

معالم رئيسية

تتعدد المعالم الدينية والتاريخية التي يحرص زوار القيروان في هذه المناسبة الدينية على اكتشافها، غير أن أهمها على الإطلاق جامع عقبة نافع الذي تُجمع مختلف الروايات على أن تشييده يعود إلى العام 670 ميلادي.

وبُني عقبة بن نافع هذا الجامع بعد "فتح إفريقية"، الاسم القديم لتونس حاليا، على يد الجيش الذي كان يقوده حينها.

ويعود شكل الجامع وحجمه الحالي إلى عهد الدولة الأغلبية في القرن التاسع قبل أن يتم إدخال العديد من التحسينات وأعمال الصيانة عليه.

كما يعتبر مقام أبو زمعة البلوي ويعرف في تونس باسم مقام "سيدي الصحبي"، واحدا من المعالم البارزة التي يحرص الوافدون على القيروان على زيارتها.

وتم تشييد هذا المعلم تخليدا لذكرى الصحابي "أبي زمعة البلوي" الذي "توفي عام 654 ميلادي على إثر معركة ضد الجيوش البيزنطية قرب عين جلولة وقد دُفن جثمانه بموضع القيروان قبل تأسيسها"، حسب ما تورده وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية (حكومية) على موقعها بالإنترنت.

وتقول الروايات إن "هذا الصّحابي كان يحمل معه شعيرات من الرّسول دُفنت إلى جانبه"، ليتم لاحقا بناء مقام باسمه وذلك أثناء العهد الحفصي، وفي العام 1661 قام حمودة باشا بإضافة مدرسة إلى الضريح الذي أعيد بناؤه.

من احتفالات المولد النبوي الشريف في القيروان 💚🙏

Posted by Nayma Mansour Charmiti on Sunday, September 15, 2024

مكانة هذه المعالم الدينية في وجدان التونسيين لا تحجب الأهمية التاريخية لـ"فسقية الأغالبة" وهي الوحيدة الباقية من بين 15 حوض مائي كان موجودا، وفق ما يذكره المعهد الوطني للتراث (حكومي) على موقعه الإلكتروني.

والفسقية عبارة عن حوضين كبيرين يصل الماء إلى الحوض الأول الصغير فتنكسر حدته وتترسب منه الأتربة والأوساخ ليتدفق الزائد عليه المصفى عبر منفذ مرتفع يصب في الحوض الكبير.

وقد كان الماء يصل إلى البرك من مصادر مختلفة بعضه من جبل الشريشيرة على بعد 36 كيلومتر جنوب القيروان.

شيدت هذه الفسقية في عهد أبي إبراهيم أحمد ابن الأغلب على شكل دائري، إذ يبلغ  شعاع الكبرى 128 مترا  بينما يبلغ شعاع الصغرى 37 مترا.

 

المصدر: أصوات مغاربية