Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

أشرف موغا على استقدام ما بين 80 ألفا و120 ألف مغربي للعمل في مناجم الفحم الحجري الفرنسية خلال ستينيات القرن الماضي
أشرف موغا على استقدام ما بين 80 ألفا و120 ألف مغربي للعمل في مناجم الفحم الحجري الفرنسية خلال ستينيات القرن الماضي

"موغا سيأتي يوم الاثنين" و"موغا هنا، لقد أتى الرجل الذي سيحملنا إلى فرنسا"، لم تكن هذه الجمل جملا عادية في قرى سوس جنوب المغرب خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، بل كانت إشارة يتلقفها شباب تلك القرى وينتظرون اليوم الموعود لمقابلة "فيليكس موغا"، الرجل الفرنسي الذي سيمنحهم تأشيرة الهجرة للعمل في فرنسا.

ولد فيلكس موغا بمقاطعة "كروا" شمالي فرنسا عام 1926، من أسرة متوسطة متعلمة. وفي عام 1945، أنهى فترة تجنيده بالمغرب في صفوف جيش وحدات الدعم والإسناد المكونة من المغاربة خلال فترة الاستعمار والمعروفة باسم les goumiers أو "الكوم".

تميز موغا عن باقي أقرانه بالصرامة وبحب التعلم، إذ كان يتقن الحديث باللغة العربية والدارجة المغربية وباللهجات الأمازيغية المتداولة بمنطقة سوس، حيث كان يشتغل ضابطا عسكريا في مكتب الشؤون الأهلية بكلميم، جنوب البلاد.

وبعد انتهاء فترة تجنيده، انضم هذا الشاب الفرنسي إلى الشركة الوطنية الفرنسية للمناجم التي كانت تعاني من نقص حاد في اليد العاملة بعد رفض عدد من الفرنسيين المتقاعدين والذين كان غالبتهم يعانون من أمراض تنفسية ترشيح أبنائهم لشغل وظائفهم.

تحمس موغا للوظيفة، ووعد إدارة الشركة الفرنسية بالعمل شخصيا على انتقاء آلاف العمال من قرى جنوب المغرب، المنطقة التي خبرها ويتقن لغة أهلها.

حل موغا بالمغرب أشهرا بعد الاستقلال (1956)، وعمل بنفسه بعد تنسيق مع السلطات المغربية على تنظيم رحلات منتظمة إلى جنوب المغرب، وزار قرى وارزازات وتزناخت، وتارودانت وتزنيت وتفراوت، وكان خبر قدومه يثير الخوف والفرح في الوقت نفسه في نفوس أهالي تلك القرى.

أقل من 30 عاما وأكثر من 55 كيلوغراما

ساهم ممثلو السلطة المحلية بقرى جنوب المغرب في تنسيق تلك الرحلات، وكان هؤلاء يدعون وأحيانا يجبرون شباب تلك القرى على الحضور إلى ساحة القرية، حيث يجدون بانتظارهم الرجل الفرنسي وبعض مساعديه.

كانت شروط الانتقاء بسيطة ولا تتطلب سوى وزنا لا يقل عن 55 كيلوغراما وعمرا يتراوح بين 18 و30 عاما، "لم تكن مقابلة لطرح الأسئلة، كان الهدف هو فحص العضلات"، يوضح موغا في تصريح سابق لقناة " Antenne 2" الفرنسية.

يقول تقرير لصحيفة "لوموند الفرنسية"، إن موغا ومن معه كانوا يجبرون شباب تلك القرى على الانتظار لساعات تحت أشعة شمس حارقة لاختبار مدى استماتتهم، قبل أن يستقبلهم الواحد تلو الآخر في خيمته.

في المقابل، كانت عيون الآباء والأمهات تراقب من بعيد تلك العملية، التي غالبا ما تخلف شجارات بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب رغبة الشباب في الهجرة ومعارضة الأقارب لها.

وأورد التقرير تصريحا للحسن تيغانيمين، وهو من أوائل المغاربة الذين خضعوا لذلك الاختبار ونجحوا فيما بعد في الانتقال للعمل في المناجم الفرنسية، وقال لحسن "لقد حدق إلينا (موغا) مثل الذئب".

الأخضر والأحمر

وبعد دقائق وربما ساعات من فحصه لأجساد هؤلاء الشبان، يؤشر موغا على صدورهم بطابع أخضر أو أحمر، وهي المرحلة الأكثر انتظارا في ذلك اليوم.

يرمز الطابع الأخضر إلى النجاح في الامتحان وبالتالي المرور إلى مرحلة لاحقة تحمل من نجح من الشباب إلى مدينة أكادير للخضوع لفحوصات إضافية ثم إلى الدار البيضاء لركوب الطائرة أو الباخرة في اتجاه فرنسا.

أما الطابع الأحمر، فيعني الرفض، وبقدر ما أفرح هذا اللون الكثير من الأمهات لأنه يعني بقاء أبنائهن في القرية، بقدر ما أحزن الكثير من الأبناء التواقين إلى الهجرة وإلى العمل في فرنسا.

إضافة إلى ذلك، يفسر اللون الأحمر أيضا على أنه "وصمة عار" على حامليه، وغالبا ما توصف تلك الفئة في قرى سوس بـ"الفاشلين" مقارنة بـ"الشجعان"، حتى أنهم لم يسلموا من لسان شعراء ومغنيي المنطقة.

ففي قرى جنوب شرق المغرب، تردد نساء المنطقة في أهازيجهن الأمازيغية "مامِيتصلْح القلدة نك ولا الهِيبِّي نْك هاناود موغا وركن إِيرِي"، ما يعني "ما جدوى قامتك وتسريحة شعرك فحتى موغا لا يرغب في خدماتك"، بحسب ما جاء في مقال للصحافي المغربي ميمون أم العيد.

من جانبه، أورد الباحث محمد شارف أغنية أخرى، جاء فيها أن موغا قدم إلى القرية، "فاختار الأكباش وترك الخراف"، ولعل ذلك ما يفسر إقبال "الفاشلين" في الامتحان على استعمال وصفات طبيعية ومواد تنظيف لمسح الطابع الأحمر من صدورهم.

أين الاعتراف؟

ووفق تقديرات "لوموند" الفرنسية، استقدم موغا من قرى جنوب المغرب ما بين 80 ألفا و120 ألف مغربي للعمل في مناجم الفحم الحجري بفرنسا خلال الفترة الممتدة بين 1956 و1970، معظمهم ما يزال مقيما بفرنسا.

وعن حالهم، انتقدت الصحافية المغربية المقيمة بفرنسا، مريم أبوري، في مقال لها، نكران فرنسا لجهود هؤلاء المغاربة في بناء الاقتصاد الفرنسي، وكتبت "هم شباب أصبحوا شيوخا الآن، بعد أن قضوا أحلى مرحلة من أعمارهم مقبورين في مناجم، يدخلونها فجرا، ويخرجون منها وقد غربت شمس شمال فرنسا كما غربت شمس شبابهم".

وتابعت متسائلة "ألا يستحقون أن تلتفت لهم فرنسا وتكرمهم، اعترافا بما قدموه لبنائها، كإصدار كتاب يحكي قصص كفاحهم، وقصص زوجاتهم، اللواتي لهن قصص إنسانية كما أزواجهم، تستحق النشر عرفانا لهم ولهن؟ أو تنحت لهم تماثيل، تعرض في متحف اللوفر (...) اعترافا من فرنسا بما أعطوه لها من حياتهم وشبابهم".

المصدر: أصوات مغاربية
 

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية