أحمد بوقرة.. قصة العقيد الذي قاد "قلب" الثورة الجزائرية
لم تكن الولايات التاريخية التي قُسمت وفقها مناطق البلاد من قبل قيادة الثورة الجزائرية، بعد اندلاعها في الأول من شهر نوفمبر عام 1954، تحكمها نفس الظروف.
ففي الوقت الذي حاصرت فيه الحكومة الفرنسية غرب الجزائر وشرقها بخطي شال وموريس الشائكين، شددت الخناق على الولاية الرابعة التي تضم الجزائر العاصمة ومحيطها.
وفي ظل تلك الظروف قاد العقيد أحمد بوقرة الولاية الرابعة مواجها قوات الاستعمار الفرنسي التي فرضت الحصار على المنطقة.
"ظروف قاسية"
عاش أحمد بوقرة، المولود في أواخر عشرينيات القرن الماضي "ظروفا اجتماعية قاسية تقاسمها مع أقرانه في مدينة خميس مليانة بولاية المدية التي درس فيها وسط الجزائر"، يقول أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة المدية، مولود قرين.
ويضيف قرين في حديث مع "أصوات مغاربية" أن بوقرة تأثر بالجو الثقافي الوطني والسياسي الذي ساد المنطقة في نهاية ثلاثينيات ومطلع أربعينيات القرن الماضي، وانخرط في "الكشافة الإسلامية الجزائرية" ذات التكوين شبه عسكري، وتدرج فيها إلى أن أصبح "جوالا" (رتبة في نظام الكشافة)، ما سمح له بالسفر للمناطق المجاورة واكتشاف جبالها وتضاريسها التي ساعدته بعد التحاقه بالثورة.
ويشير قرين إلى "تأثر بوقرة بالجرائم التي ارتكبتها السلطات الفرنسية بحق أبناء جلدته في الولايات المجاورة للمدية ومناطق أخرى يوم 8 ماي 1945، ما دفعه للمشاركة في مظاهرات منددة بها".
وبحسب المتحدث ذاته فإن ذلك "عرضه للاعتقال من قبل الإدارة الفرنسية التي أفرجت عنه لاحقا ليلتحق بالمنظمة الخاصة التي أسسها قادة من حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1947" وهي حزب سياسي معارض أسسه مصالي الحاج بعد حل حزب الشعب من قبل الحكومة الفرنسية.
لاحقته السلطات الفرنسية عندما انكشف أمر المنظمة الخاصة، وأصدرت بحقه حكما غيابيا بالإعدام، ثم بالسجن لمدة 3 سنوات بعد اعتقاله مجددا، يضيف قرين الذي يشير إلى أن بوقرة "التحق بالثورة مباشرة بعد اندلاعها متدرجا في الرتب والمسؤوليات جراء شجاعته وبسالته في المعارك".
"وضع استثنائي"
من جانبه، يرى، أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، سعيد شيكدان، أن أحمد بوقرة الذي اشتهر خلال الثورة باسم "السي امحمد بوقرة" كانت له "بصمات قوية في تنظيم الولاية الرابعة وقدرتها على مواجهة ظروف الحصار العسكري الذي ضربته القوات الفرنسية عليها في محاولة لخنق الثورة من وسط البلاد".
ويصف شكيدان في حديث مع "أصوات مغاربية" بوقرة بـ "القائد الميداني الكبير"، مشيرا إلى قيادته الولاية الربعة التي يصفها بـ"قلب" الثورة الجزائرية، والتي "واجه المقاومون فيها وضعا استثنائيا"، بسبب التواجد الكبير للقوات الفرنسية بها.
ويذكر المتحدث أيضا "الدور البارز" الذي لعبه بوقرة في نجاح مؤتمر الصومام الذي انعقد عام 1956، وأعاد تنظيم الثورة وحدد رتب الجيش وتدرجها وطرق الاتصال بين قادة الثورة في الداخل.
ويضيف المتحدث أنه نتيجة للضغط الذي مارسه بوقرة على القوات الفرنسية بتكثيف الهجمات وسط البلاد، "ضرب الجيش الفرنسي حصارا كبيرا على جبال الولاية الرابعة التي كانت تكيل الضربات لقوات الاستعمار".
وهكذا استمرت المواجهات لأشهر قبل أن يسقط القائد بوقرة وعدد من مرافقيه في مثل هذا اليوم قبل 64 عاما (5 ماي 1959) إثر كمين نصبه الجيش الفرنسي، لتفقد الثورة الجزائرية واحدا من أهم قياداتها، إذ يقول شكيدان إنه قاد الولاية الرابعة في الوقت الذي كانت إدارتها "أمرا عسيرا جدا على أي قائد عسكري".
- المصدر: أصوات مغاربية