قبر حيزية في سيدي خالد بمدينة بسكرة. المصدر: صفحة الكاتب الجزائري واسيني الأعرج على فيسبوك
قبر حيزية في سيدي خالد بمدينة بسكرة.

عديدة هي قصص الحب التي تغنى بها الشعراء وألهمت الكتاب في المنطقة المغاربية، لكن قصة "حيزية وسعيد" التي تعد من أشهر قصص الحب والعشق بالجزائر، تتميز عن تلك القصص بكونها قصة حقيقية لم يمض على أحداثها سوى 145 عاما.

وتشبه قصة "حيزية" وابن عمها وسعيد قصة "روميو وجولييت"، غير أن القصة الجزائرية اختلفت حولها الروايات، بين من قال إن "حيزية وسعيد" توجا حبهما بزواج وبين من قال إنهما لم يتزوجا أبدا، ورواية ثالثة ظهرت في السنوات الأخيرة شككت في القصة ورجحت أن يكون عاشق حيزية هو نفسه الشاعر الذي حكى قصتها.

ودارت أحداث قصة حيزية في منطقة سيدي خالد، الواقعة في مدينة بسكرة الصحراوية، جنوب شرق الجزائر العاصمة، وتعود أحداثها إلى النصف الثاني من القرن 19.

وتقول المصادر التي تناولت القصة، إن حيزية بوعكاز، ولدت عام 1855 وعاشت حياة الرحل وأنها وقعت في حب ابن عمها سعيد الذي ترعرع يتيما في كنف والدها.

أحبَّ ابنا العم بعضيهما منذ الصغر وقررا الزواج في تحد للوالد الذي أراد تزويجها لأحد كبار القبيلة، لكن حيزية تمسكت بحبها لابن عمها، ما أجبر والدها على القبول بزواجهما على مضض.

وكغيرها من قصص الحب الأسطورية، لم تنعم حيزية وسعيد بنهاية سعيدة، إذ مرضت حيزية بمرض خطير وتوفيت وهي في الـ23 من عمرها، بعد زواج لم يدم سوى 40 يوما.

تركت الفتاة محبوبها مجنونا، فتوجه في أحد الأيام إلى شاعر يدعى محمد ابن قيطون وطلب منه كتابة قصيدة رثاء عن زوجته، وهي القصيدة التي ظلت إلى اليوم مرجعا للعدد من الفنانين والأدباء والسينمائيين.

أما الرواية الثانية فحكت قصة مغايرة، لم تشر إلى زواج حيزية من سعيد، بل ذكرت أنهما عاشا حياة حزينة بسبب معارضة والد حيزية لزواجهما، وأن ذلك الرفض هو الذي أدى لوفاة الحبيبة وضياع حبيبها بعد موتها.

مكنت جهود أبناء مدينة سيدي خالد في بسكرة في صيانة قبر حيزية وتحول مع مرور السنوات إلى مزار يقصده السياح والباحثون في التراث الشعبي الجزائري.

وألهمت قصيدة بوقيطون العشرات من الفنانين بالجزائر وخارجها، منها أغنية تراثية أداها كبار الفنانين الجزائريين من أمثال رابح درياسة وعبد الحميد عبابسة وأحمد خليفي.

ومن كلمات تلك القصيدة:
عزوني يا ملاح في رايس البنات.. سكنت تحت اللحود ناري مقدية
ياخي أنا ضرير بيا ما بيا.. قلبي سافر مع الضامر حيزيا

رواية ثالثة

في عام 2019، كشف الروائي الجزائري واسيني الأعرج عن حصيلة رحلة بحثية قادته لسنوات للنبش في قصة حيزية وسعيد، مكذبا جزءا مما جاء في الروايات السابقة، لعل أبرزها ترجيح فرضية أن حبيبها سعيد، لم يكن سوى الشاعر نفسه ابن قيطون.

وجاء في مقال للكاتب الجزائري "أنا أجزم أن العاشق هو الشاعر نفسه، بحسب قوة اللغة الشعرية في التعبير عن الألم والحزن ووصف المحبوبة، إلى جانب الجرأة في كسر الأعراف، كالبوح بإقامة علاقة جسدية، فكيف يمكن لسعيد أن يعبر عن ذلك على لسان الشاعر، ويبقى في القبيلة؟".

وتابع الأعرج "لقد كانت هنالك قصة حب بين حيزية وابن قيطون حتمًا، وما كان سعيد إلا قناعًا لبسه الشاعر، أو شخصية متخيلة اختفى وراءها، مثلما حدث مع الكاتب الإسباني، سرفانتيس، الذي استعان بشخصية ابن الأنجلين في رواية "دون كيشوت" للإفلات من محاكم التفتيش، ولذلك أنا أقدم قراءة جديدة لملحمة حيزية، بعيدًا عن الإسقاطات التقليدية والأخلاقية للقصة المتداولة".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية