عديدة هي قصص الحب التي تغنى بها الشعراء وألهمت الكتاب في المنطقة المغاربية، لكن قصة "حيزية وسعيد" التي تعد من أشهر قصص الحب والعشق بالجزائر، تتميز عن تلك القصص بكونها قصة حقيقية لم يمض على أحداثها سوى 145 عاما.
وتشبه قصة "حيزية" وابن عمها وسعيد قصة "روميو وجولييت"، غير أن القصة الجزائرية اختلفت حولها الروايات، بين من قال إن "حيزية وسعيد" توجا حبهما بزواج وبين من قال إنهما لم يتزوجا أبدا، ورواية ثالثة ظهرت في السنوات الأخيرة شككت في القصة ورجحت أن يكون عاشق حيزية هو نفسه الشاعر الذي حكى قصتها.
ودارت أحداث قصة حيزية في منطقة سيدي خالد، الواقعة في مدينة بسكرة الصحراوية، جنوب شرق الجزائر العاصمة، وتعود أحداثها إلى النصف الثاني من القرن 19.
وتقول المصادر التي تناولت القصة، إن حيزية بوعكاز، ولدت عام 1855 وعاشت حياة الرحل وأنها وقعت في حب ابن عمها سعيد الذي ترعرع يتيما في كنف والدها.
أحبَّ ابنا العم بعضيهما منذ الصغر وقررا الزواج في تحد للوالد الذي أراد تزويجها لأحد كبار القبيلة، لكن حيزية تمسكت بحبها لابن عمها، ما أجبر والدها على القبول بزواجهما على مضض.
وكغيرها من قصص الحب الأسطورية، لم تنعم حيزية وسعيد بنهاية سعيدة، إذ مرضت حيزية بمرض خطير وتوفيت وهي في الـ23 من عمرها، بعد زواج لم يدم سوى 40 يوما.
تركت الفتاة محبوبها مجنونا، فتوجه في أحد الأيام إلى شاعر يدعى محمد ابن قيطون وطلب منه كتابة قصيدة رثاء عن زوجته، وهي القصيدة التي ظلت إلى اليوم مرجعا للعدد من الفنانين والأدباء والسينمائيين.
أما الرواية الثانية فحكت قصة مغايرة، لم تشر إلى زواج حيزية من سعيد، بل ذكرت أنهما عاشا حياة حزينة بسبب معارضة والد حيزية لزواجهما، وأن ذلك الرفض هو الذي أدى لوفاة الحبيبة وضياع حبيبها بعد موتها.
مكنت جهود أبناء مدينة سيدي خالد في بسكرة في صيانة قبر حيزية وتحول مع مرور السنوات إلى مزار يقصده السياح والباحثون في التراث الشعبي الجزائري.
#حيزية_الهلالية
— 💚أحلام🐝 💚 (@ahlamnahoul30) February 18, 2023
عزوني يا لملاح في لالات لبنات سكنت تحت اللحود ناري مقدية و قلبي سافر معاها القمر حيزية عينيك غر رصاص حربي في قرطاس شورى لقياس في يدين الحربيا💔 pic.twitter.com/g0umQS2QWP
وألهمت قصيدة بوقيطون العشرات من الفنانين بالجزائر وخارجها، منها أغنية تراثية أداها كبار الفنانين الجزائريين من أمثال رابح درياسة وعبد الحميد عبابسة وأحمد خليفي.
ومن كلمات تلك القصيدة:
عزوني يا ملاح في رايس البنات.. سكنت تحت اللحود ناري مقدية
ياخي أنا ضرير بيا ما بيا.. قلبي سافر مع الضامر حيزيا
رواية ثالثة
في عام 2019، كشف الروائي الجزائري واسيني الأعرج عن حصيلة رحلة بحثية قادته لسنوات للنبش في قصة حيزية وسعيد، مكذبا جزءا مما جاء في الروايات السابقة، لعل أبرزها ترجيح فرضية أن حبيبها سعيد، لم يكن سوى الشاعر نفسه ابن قيطون.
وجاء في مقال للكاتب الجزائري "أنا أجزم أن العاشق هو الشاعر نفسه، بحسب قوة اللغة الشعرية في التعبير عن الألم والحزن ووصف المحبوبة، إلى جانب الجرأة في كسر الأعراف، كالبوح بإقامة علاقة جسدية، فكيف يمكن لسعيد أن يعبر عن ذلك على لسان الشاعر، ويبقى في القبيلة؟".
وتابع الأعرج "لقد كانت هنالك قصة حب بين حيزية وابن قيطون حتمًا، وما كان سعيد إلا قناعًا لبسه الشاعر، أو شخصية متخيلة اختفى وراءها، مثلما حدث مع الكاتب الإسباني، سرفانتيس، الذي استعان بشخصية ابن الأنجلين في رواية "دون كيشوت" للإفلات من محاكم التفتيش، ولذلك أنا أقدم قراءة جديدة لملحمة حيزية، بعيدًا عن الإسقاطات التقليدية والأخلاقية للقصة المتداولة".
المصدر: أصوات مغاربية