مع حلول شهر يونيو من كل عام يتذكر التونسيون "عيد النصر" الذي يمثل لحظة فارقة في التاريخ الحديث لتونس، وذلك مع نيل البلاد للاستقلال الداخلي وعودة الحبيب بورقيبة من منفاه في خطوة مهدت بعد ذلك للحصول على الاستقلال التام قبل إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 25 يوليو 1957.
ففي 1 يونيو من العام 1955 عاد الحبيب بورقيبة إلى بلاده عبر ميناء حلق الوادي بالعاصمة بعد سنوات من المنفى ليجد في استقباله جماهير غفيرة، في لحظة يقول مؤرخون إنها إعلان عن "صناعة زعيم وطني".
من هو الحبيب بورقيبة ؟
ولد الحبيب بورقيبة يوم 3 أغسطس 1903 بمدينة المنستير الساحلية لعائلة من الطبقة الوسطي إذ كان والده ضابطا في جيش الباي.
زاول بورقيبة دراسته الابتدائية والثانوية بالمعهد الصادقي ثم بمدرسة "كارنو" الثانوية للحصول على الباكالوريا قبل السفر إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث درس القانون.
في العام 1927 عاد إلى تونس حاملا شهادة تخوّل له ممارسة مهنة المحاماة، لينخرط في العمل السياسي من بوابة الحزب الدستوري.
ووفقا لما جاء في سيرته الذاتية المنشورة على موقع مؤسسة تحمل اسمه فقد أدرك بورقيبة أن "تحرير بلاده لا يمكن أن يتم على يد طبقة سياسية منكفئة على نفسها في قلب مدينة تونس وتحذر الجماهير الشعبية"
لاحقا في العام 1934 انسحب بورقيبة من الحزب الدستوري القديم بقيادة الشيخ عبد العزيز الثعالبي ليؤسس صحبة مجموعة من رفاقه الحزب الدستوريّ الجديد ليأمر المقيم الفرنسي العام باعتقاله وترحيله إلى الجنوب التونسي حتى عام 1936.
وبعد سنوات قضاها بين المنافي بدأت مرحلة "المقاومة" ليجوب عدة عواصم معرفا بقضية بلاده معولا على كسب المزيد من الأنصار في الداخل قبل أن يتم اعتقاله مجددا في في يناير 1952.
وجاء في سيرته الذاتية أن "الحظ ابتسم له في يوليو 1954 عندما حلّ رئيس وزراء فرنسا "بيير مينديس فراس" بتونس وأعلن أمام الباي في قرطاج أن باريس لا تمانع تحرّر الشعب التونسي".
العودة "المظفرة"
في الفاتح من شهر يونيو 1955، عاد بورقيبة "مظفرا" إلى ميناء حلق الوادي بالعاصمة تونس على متن باخرة "الجزائر" قبل توقيع معاهدة تعترف بالاستقلال الداخلي لتونس (3 يونيو من العام ذاته" لينجح في تزعم حزبه في مواجهة رفيقه صالح بن يوسف الذي كان يرفض هذه الاتفاقية مطالبا بالاستقلال التام".
تقول الدكتورة في التاريخ أروى العبيدي في مقال منشور على موقع "انكفاضة" "في غرّة يونيو 1955، حلت بميناء حلق الوادي جماهير غفيرة جاءت للاحتفاء برئيس الحزب الحر الدستوري الجديد، الحبيب بورقيبة، بعد غياب دام ثلاثة أعوام".
وأضافت "قد توحي البهجة العامة بتفاعل شعبي عفوي، بيد أن ذلك اليوم بأدنى تفاصيله كان نتاج هندسة دقيقة رتّبها الحزب القومي".
وتسرد العبيدي تفاصيل عن الاستعدادات التي اتخذت في تونس لعودة بورقيبة "مكللا بالنصر" من ذلك إنشاء وحدة أمنية داخلية" تضم الآلاف من الأعضاء تم تقسيمهم إلى "خلايا لكي تتكفل كل منها بالسهر على أمن أعضائها".
رافق بورقيبة في طريق عودته نجله وأعضاء من الحزب الدستوري الجديد وصحفيين من أوروبا والولايات المتحدة، بينما تجمهر على الرصيف عدد من التونسيين والتونسيات في صخب من التهاليل".
تزيد الباحثة موضحة أنه "في أثناء الرحلة البحرية، أجرى بورقيبة مقابلات مع وسائل الإعلام الدولية، بل واستسلم لمتعة المثول أمام عدسات التصوير".
وصلت الباخرة إلى ميناء حلق الوادي صبيحة الفاتح من يونيو" وما إن داست قدمه اليابسة، حملته سواعد أعضاء من الفلاقة والشبيبة الدستورية إلى أعناقهم"، تردف الباحثة ذاتها.
ركب بورقيبة بعد لقاء باي البلاد في قرطاج سيارة قادته إلى منطقة قرطاج للقاء "باي البلاد" قبل أن يمتطي صهوة حصان ليتم لاحقا تجسيد ذلك المشهد في منحوتة وضعت في الشارع الرئيسي للعاصمة تونس.
وجاء في شريط وثائقي نشرته مؤسسة الحبيب بورقيبة أن الرجل ألقى "خطابا دعا فيه إلى توحيد الصفوف وإلى التعاون مع كافة المتساكنين وإلى التآخي مع الفرنسيين والأجانب باعتبار ذلك الطريقة الكفيلة بتحقيق البلاد التونسية ما تصبو إليه من وازدهار ورفاهية وسلام".
كيف ينظر التونسيون إلى هذا التاريخ ؟
تواصل الاحتفال بهذا التاريخ بعد استقلال البلاد في 20 مارس 1956 وتحولها من ملكية إلى جمهورية في 25 يوليو 1957 وذلك إلى غاية نهاية حكم بورقيبة على يد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 7 نوفمبر 1987.
وتقول مجلة "ليدرز" التونسية في عدد سابق لها إنه "رغم تشكيك الكثير في أهميّة تاريخ غرّة يونيو 1955 ومضمون اتفاقيات الاستقلال الداخلي فإنّ هذا الحدث ظلّ ولا يزال اليوم الوطني الذي لم يمّح من الذاكرة الوطنية ومن أذهان التونسيّين".
وشبهت المجلة هذه الذكرى بـ"حدث قدوم جثمان باي الشعب، المنصف باي من منفاه بمدينة بو الفرنسية إلى ميناء تونس وموكب دفنه في جنازة مليونية بمقبرة الزلاج يوم 09 سبتمبر 1948 أو الجنازة المليونية التي أقيمت للسياسي شكري بلعيد بنفس المقبرة يوم 08 فبراير 2013".
وإحياء لهذه الذكرى أعاد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في العام 2016 تمثالا يجسد الحبيب بورقيبة ممتطيا صهوة جواده إلى الشارع الرئيسي للعاصمة.
وأُعيد وضع تمثال بورقيبة بهذا الشارع الرمز ليستقر قبالة تمثال المفكر عبد الرحمان بن خلدون، في خطوة قوبلت باستحسان كبير في الأوساط الشعبية والرسمية.
وقال السبسي آنذاك في تصريح نقلته رويترز إن "إعادة تمثال الزعيم بورقيبة ليس الهدف منه الشخصنة بل رمزي لأن اليوم هو موعد رمزي لا مثيل له في تاريخ تونس.. تاريخ وحد كل التونسيين".
والتمثال من نحت الرسام زبير التركي في 1982 بأمر من بورقيبة نفسه الذي أصر على أن يكون قبالة تمثال ابن خلدون.
ورغم أن الدولة لا تحتفي رسميا بهذا التاريخ، إلا أن ذلك لا يمنع أحزاب ذات خلفية دستورية ومنظمات تعني بفكر بورقيبة من عقد الندوات والتظاهرات التي تؤرخ لهذا اليوم
المصدر: أصوات مغاربية/ وسائل إعلام محلية