تشهد المنطقة المغاربية أسوأ موجة جفاف منذ عقود أدت إلى تسجيل تراجع قياسي في التساقطات المطرية وفي مخزون المياه الجوفية، ويطرح هذا الوضع تساؤلات بشأن جدوى سياسات ومشاريع وُصفت بـ"العملاقة" أطلقتها دول المنطقة في مراحل متفرقة بعد استقلالها.
وألقت تداعيات التغيرات المناخية بظلالها على البلدان المغاربية التي باتت تصنف ضمن أكثر مناطق العالم ندرة في المياه وفق عدد من التقارير الدولية.
وهذه أبرز الخطط والمشاريع المائية التي أطلقتها الدول المغاربية لتدبير أزمات المياه والجفاف.
المغرب
لقب الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، بـ"باني السدود"، لحرصه في بداية حكمه على تشييد عدد من السدود في مناطق مختلفة من البلاد.
بدأت مساعي الحسن الثاني لإنشاء السدود سنة 1967، ففي ذلك العام أطلق العاهل الراحل سياسة جديدة كان من أبرز أهدافها سقي مليون هكتار بحلول عام 2000.
تبعا لذلك، شيد المغرب ثمانية سدود كبرى في الفترة الممتدة بين 1967 و1974، ثم تلت ذلك مرحلة أخرى عرفت تشييد سدود من مختلف الأحجام وصل عددها بين عامي 1985 و1986 إلى أزيد من 20 سدا وفق تقارير رسمية.
وبفضل تلك السياسة، صار المغرب يتوفر على 150 سدا تغطي مختلف مناطق البلاد، ويجري حاليا تشييد 17 سدا كبير بسعة إجمالية تصل إلى 5 مليارات و600 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى برمجة 129 سدا صغيرا بين عامي 2022 و2024.
ومع ذلك، تعاني العديد من تلك السدود من التوحل ما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من سعتها ، وفق معطيات كشف عنها وزير التجهيز والماء، نزار بركة، شهر فبراير الماضي.
الجزائر
على غرار المغرب، عرفت الجزائر موجات متتالية من الجفاف دفعت الحكومة إلى التفكير في تشييد السدود لتدبير أفضل للثروة المائية وتحسبا للجفاف.
وشهدت السدود طفرة مهمة في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1937-2021) وكان من أهمها وأشهرها سد بني هارون الذي افتتح عام 2007 والذي تقدر سعته بمليار متر مكعب.
بني هذا السد، الذي يقع شرق البلاد في الفترة الممتدة بين 1997 و2001، ويضمن تزويدا بالمياه يقدر بـ425 مليون متر مكعب في العام الواحد، ما يضمن تغطية لعدد من مناطق البلاد.
وإلى جانب بني هارون، شيدت الجزائر سدودا أخرى أهمها سد كف الدير الواقع بولاية تيبازة غرب العاصمة الجزائر، وسد سيدي يعقوب الذي تتجاوز سعته 252 مليون متر مكعب.
وإلى جانب السدود، استثمرت الجزائر مؤخرا 23 مليار دولار ضمن خطة تروم إنشاء 19 محطة لتحلية مياه البحر في أفق عام 2024.
تونس
يصف التونسيون كاتب الدولة للموارد المائية الراحل، عامر الحرشاني، بـ"أب السدود والموارد المائية"، تقديرا للجهود التي بذلها في مراحل متفرقة من تاريخ البلاد بعد استقلالها لحماية تونس من ندرة المياه والفيضانات.
ساهم إشراف الحرشاني على عدد من الإدارات والمؤسسات الحكومية المعنية بالمياه في وضع خطط استباقية لحماية تونس من الجفاف، وعنه قال عبد الله الرابحي، كاتب الدولة السابق في الحكومة التونسية، إنه "بفضل الراحل شيدت تونس كل السدود التي أنجزت أو التي هي بصدد الانجاز وعددها أربعون كان لديه فيها نصيب كبير".
وشيدت تونس أربعين سدا في فترات متفرقة بعد الاستقلال، يقع أغلبها شمال البلاد، أكبرها سيدي سالم التي تصل سعته إلى 643 مليون متر مكعب وسد سيدي البراق التي تقدر سعته بـ265 مليون متر مكعب.
وتعاني تونس على غرار باقي الدول المغاربية من أزمة جفاف حادة، ففي العام 2022، تم إحصاء أكثر من 2200 تبليغ عن وجود مشاكل في التزود بالمياه وهو ضعف الرقم المسجل في العام الذي سبقه.
موريتانيا
تعد موريتانيا أيضا من أكثر البلدان المغاربية والأفريقية التي تواجه ندرة في المياه في السنوات الأخيرة، وتصارع الحكومة الزمن لاحتواء الأزمة من خلال مجموعة من الأوراش والمشاريع.
وخلفت فيضانات شهدتها البلاد عام 2010 إتلاف العشرات من السدود الزراعية ما شكل حينها خطورة على الزراعة ومياه الشرب، لكن الحكومات المتعاقبة سارعت إلى بناء المزيد من السدود.
وفي هذا الصدد، قال الوزير السابق للتنمية الريفية في موريتانيا، الدي ولد الزين، إن بلاده شرعت في تشييد 93 سدا عام 2020، موضحا أن الدولة تعمل على صيانة سدود صغيرة منتشرة في عدد من مناطق البلاد.
وإلى جانب ذلك، أعلنت الحكومة الموريتانية أيضا عن إنشاء بنية تحتية لمياه الشرب في 670 بلدة، ومد 1400 كيلومتر من الأنابيب، وتوفير المياه لـ 150 ألف أسرة وإكمال 19 حوض جديد لتخزين وحفظ مياه الأمطار.
ليبيا
على خلاف باقي الدول المغاربية، تفرد العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، بإقامة مشروع "النهر الصناعي العظيم"، وهو عبارة عن شبكة واسعة من خطوط الأنابيب والقنوات الجوفية التي تغطي نحو 4 آلاف كيلومتر من الجنوب الليبي إلى شماله، باستثمارات بلغت حينها 35 مليار دولار.
يعود تاريخ إطلاق المشروع إلى أغسطس من عام 1984، ففي ذلك العام قال الزعيم الراحل إن المشروع قادر على "إنقاذ ليبيا من كارثة العطش"، ودافع عنه خلال فترة حكمه حتى اعتُبر أضخم مشروع لنقل المياه في العالم.
ساهم هذا المشروع في توزيع مياه الشرب على عدد من المناطق الليبية غير أنه تأثر بالصراع السياسي الذي شهده البلاد بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي.
وفي هذا الصدد، قال تقرير أصدره معهد الشرق الأوسط، العام الماضي، إن الأوضاع الأمنية والجفاف في ليبيا يهددان مستقبل "النهر الصناعي العظيم"، وأن شركات مكلفة بصيانته انسحبت تباعا من المشروع في السنوات العشر الأخيرة.
وإلى جانب "النهر العظيم" تتوفر ليبيا على 18 سداً، أبرزها سد وادي قطارة (شرق البلاد)، وسدود وديان "كعام" و"مجينين" و"غان" و"زارت" و"لبدة" (غرب ليبيا)، غير أن مياها لا تغطي سوى 3 في المائة وفق دراسة أجرتها "المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات" عام 2017.
المصدر: أصوات مغاربية