تمثال العتّال
تمثال "العتّال" وسط مدينة الجزائر العاصمة

ينتصب وسط العاصمة الجزائرية قبالة الميناء، تمثال لرجّل عتّال (حمّال)، يرفع على ظهره أثقالا تقوّس ظهره منها.

لا يعرف كثير ممن يشاهدون هذا التمثال، بأنه يؤرّخ لجريمة بشعة راح ضحيتها أكثر من مائتي جزائري عشية استقلال البلاد العام 1962.

انتفاضة العتالين

تعود الحادثة إلى الثاني مايو 1962، قبل شهرين على استقلال البلاد من احتلال فرنسي دام قرنا و32 عاما.

ففي هذا اليوم انتفض العتّالون في الميناء ضد الإدارة الاستعمارية، احتجاجا على سوء معاملتهم من طرف المسؤولين الفرنسيين، وطالبوا بتحسين أوضاعهم الإنسانية ومنحهم أجورا لائقة.

لم تصغ الإدارة الاستعمارية للمطالب رغم استمرار الاحتجاجات، وفي صباح يوم الثاني مايو حدثت المجزرة.

قام أفراد "منظمة الجيش السري"، المنشقة عن الجيش الفرنسي والرافضة لاستقلال الجزائر، بتلغيم سيارة ووضعها أمام مكتب التوظيف بالميناء.

الجريمة البشعة

كان الميناء يعج بالعتالين المحتجين فضلا عن العشرات من طالبي العمل، وفي الساعة الصفر انفجرت السيارة فقتل على الفور 200 عتّال وأصيب أكثر من 250 بجروح.

حدثت هذه الجريمة رغم توقيع الحكومتين الفرنسية والجزائر، إعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962.

لم تكن "منظمة الجيش السري" تأبه بأي اتفاق بين الطرفين الجزائري والفرنسي، وواصلت عمليات التفجير واغتيال الجزائريين حتى يوم الاستقلال للضغط على الحكومة الفرنسية وإجبارها على التراجع عن اتفاقاتها مع الجزائريين.

لم تكن عملية الميناء آخر جرائم "منظمة الجيش السري"، ففي 7 يونيو 1962، أحرق أفراد المنظمة الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة ومكتبتها، ما أدّى إلى إتلاف أكثر من مليون من الوثائق والكتب النادرة.

بعد الاستقلال خلدت السلطات الجزائرية ذكرى العتالين، الذين قضوا في هذه الحادثة، بتمثال مصنوع من مادة البرونز، والمعروف بتمثال العتّال.

وقد كُتب على قاعدة التمثال أسماء العمال الذين قتلتهم "منظمة الجيش السري" عشية الاستقلال، بالإضافة إلى العبارة التالية "ذكرى خالدة لإخواننا الذين اغتيلوا غدرا من طرف الاستعمار الغاشم يوم الثاني ماي 1962، رحمهم الله، هنا استشهد 200 عامل.. أبرياء ضحايا الغدر والعدوان، استشهدوا في سبيل الحرية والاستقلال."  

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية