ينتصب وسط العاصمة الجزائرية قبالة الميناء، تمثال لرجّل عتّال (حمّال)، يرفع على ظهره أثقالا تقوّس ظهره منها.
لا يعرف كثير ممن يشاهدون هذا التمثال، بأنه يؤرّخ لجريمة بشعة راح ضحيتها أكثر من مائتي جزائري عشية استقلال البلاد العام 1962.
انتفاضة العتالين
تعود الحادثة إلى الثاني مايو 1962، قبل شهرين على استقلال البلاد من احتلال فرنسي دام قرنا و32 عاما.
ففي هذا اليوم انتفض العتّالون في الميناء ضد الإدارة الاستعمارية، احتجاجا على سوء معاملتهم من طرف المسؤولين الفرنسيين، وطالبوا بتحسين أوضاعهم الإنسانية ومنحهم أجورا لائقة.
تمثال العتال عند مدخل ميناء الجزائر تخليدا لاستشهاد 200 عامل من الحمالين بالميناء في زمن الإستعمار pic.twitter.com/BltPZ6wZQC
— ahmed rachdi أحمد راشديⴰⵀⵎⴻⴷ ⵔⴰⴽⵀⴷⵉ (@ahmedali_rachdi) May 1, 2021
لم تصغ الإدارة الاستعمارية للمطالب رغم استمرار الاحتجاجات، وفي صباح يوم الثاني مايو حدثت المجزرة.
قام أفراد "منظمة الجيش السري"، المنشقة عن الجيش الفرنسي والرافضة لاستقلال الجزائر، بتلغيم سيارة ووضعها أمام مكتب التوظيف بالميناء.
الجريمة البشعة
كان الميناء يعج بالعتالين المحتجين فضلا عن العشرات من طالبي العمل، وفي الساعة الصفر انفجرت السيارة فقتل على الفور 200 عتّال وأصيب أكثر من 250 بجروح.
حدثت هذه الجريمة رغم توقيع الحكومتين الفرنسية والجزائر، إعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962.
لم تكن "منظمة الجيش السري" تأبه بأي اتفاق بين الطرفين الجزائري والفرنسي، وواصلت عمليات التفجير واغتيال الجزائريين حتى يوم الاستقلال للضغط على الحكومة الفرنسية وإجبارها على التراجع عن اتفاقاتها مع الجزائريين.
لم تكن عملية الميناء آخر جرائم "منظمة الجيش السري"، ففي 7 يونيو 1962، أحرق أفراد المنظمة الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة ومكتبتها، ما أدّى إلى إتلاف أكثر من مليون من الوثائق والكتب النادرة.
بعد الاستقلال خلدت السلطات الجزائرية ذكرى العتالين، الذين قضوا في هذه الحادثة، بتمثال مصنوع من مادة البرونز، والمعروف بتمثال العتّال.
وقد كُتب على قاعدة التمثال أسماء العمال الذين قتلتهم "منظمة الجيش السري" عشية الاستقلال، بالإضافة إلى العبارة التالية "ذكرى خالدة لإخواننا الذين اغتيلوا غدرا من طرف الاستعمار الغاشم يوم الثاني ماي 1962، رحمهم الله، هنا استشهد 200 عامل.. أبرياء ضحايا الغدر والعدوان، استشهدوا في سبيل الحرية والاستقلال."
المصدر: أصوات مغاربية