منذ قرون، ظلّ حوض آركين الموريتاني واحدا من أجمل المحميات الطبيعية بالمنطقة المغاربية وغرب أفريقيا.
وكانت هذه الجغرافيا الساحرة محطّ أطماع القوى الأوروبية منذ عصر النهضة، ليس فقط بسبب طبيعتها الآسرة، وإنما لكونها منطقة استراتيجية غنية بشتى أنواع الأسماك والطيور النادرة.
طبيعة خلابة
يقع حوض آركين على حدود ساحل المحيط الأطلسي بمساحة تتعدى مليون هكتار من الكثبان الرملية والمستنقعات الساحلية والجزر الصغيرة والمياه السطحية الضحلة.
اكتسبت المنطقة جماليتها من التناقض الطبيعي المتناغم بين البحر والبيئة الصحراوية، ما يجعلها مأوى لتنوع بيولوجي فريد.
وأصبح المشهد البري-البحري الساحر لحوض آركين عنصر جذب لعلماء البيولوجيا في السنوات الأخيرة، بسبب احتفاظ المنطقة بأصالتها رغم التدمير الهائل للكائنات البرمائية في مناطق أخرى من العالم.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن آركين يُشكل محطة استراحة لملايين الطيور المهاجرة، من "النُّحَام الأكبر" إلى "البجع" الضخم ثم فصيلة "الخرشناوات" العاشقة للمحيطات.
وتتحوّل أهوار هذه المحميّة الطبيعية إلى جنان في فصل الشتاء بالنسبة للطيور الهاربة من البرد الشديد في أصقاع أميركا الشمالية وأوروبا، للبحث عن الدفء والشمس في غرب أفريقيا.
ووفقا لمنظمة يونيسكو - التي صنفت المحمية أرضاً رطبة ذات أهمية دولية منذ عام 1982، وموقع تراث عالمي منذ 1989 - فإن المساحات الشاسعة لحوض آركين توفر المأوى لأكثر من مليوني طائر مهاجر من شمال أوروبا وسيبيريا وغرينلاند.
وتضيف أن ما بين 25 ألف و40 ألف زوج من 15 نوعاً من الطيور تُعشش بالمنطقة، التي يوجد بها أيضا 45 نوعا من الأسماك و11 فصيلة من المحار وعدة أنواع من الرخويات، ناهيك عن أنواع عدة من الدلافين والسلاحف البحرية، ولا سيما "السلاحف الخضراء" المدرجة في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض.
وفي البراري، تتجول غزلان من فصيلة "دوركاس"، التي تنتشر أيضا في البلدان المغاربية المجاورة.
أوروبا.. و"آركين"
يتكوّن حوض "آركين" من 102 جزيرة، ولا تعيش بها سوى أقلية عرقية تُدعى "الإمراغن" ويقدر عددهم بنحو 1500 فرد.
استوطن "الإمراغن" المنطقة منذ مئات السنين مستفيدين من ثروتها السمكية.
وعلى ما تزخر به المحميّة قامت حياة هذا الشعب ولا تزال، فهم يصطادون السمك على اختلاف أنواعه ومنه يتغذّون وبه يتداوون ويصنعون من الصدفيات وغيرها تحفا تقليدية يتعيشون منها أيضا إلى جانب بيع الأسماك.
وبسبب هذه الثروة والموقع الاستراتيجي، كانت المنطقة محطّ أنظار القوى الأوروبية حتى قبل ظهور الاستعمار الحديث.
فقد وقعت تحت الحكم البرتغالي في منتصف القرن الخامس عشر، أي في عصر النهضة الأوروبية، عندما خاضت الدول الإيبيرية رحلات بحرية في غرب أفريقيا بحثا عن طريق بديلة إلى الهند.
ووقعت المنطقة أيضا منذ القرن السابع عشر في قبضة الهولنديين أولا، ثم البريطانيين لفترة وجيزة، وأخيرا الفرنسيين.
بعد استقلال موريتانيا في 1960، اعتنت الحكومة بالمنطقة، إذ شكلت في منتصف السبعينات مؤسسة إدارية تحمل اسم "الحظيرة الوطنية لحوض آركين"، وينظمها قانون (2000-024)، الذي حصر حدودها على مساحة 12 ألف كيلومتر مربع، بما في ذلك ثلث الساحل الموريتاني.
وتحظر السلطات الموريتانية الصيد الآلي في الأراضي البحرية التابعة لحوض آركين، وهو إجراء قانوني يستثني أفراد شعب "الإمراغن" الذين يستوطنون المنطقة ويستخدمون أساليب صيد تقليدية لا تُهدد التنوع البيولوجي.
المصدر: أصوات مغاربية