مصطفى بن بوالعيد
القائد الثوري مصطفى بن بوالعيد كان وراء تأمين السلاح للثورة الجزائرية من ليبيا

في مثل هذا اليوم (15 أغسطس) من العام 1954 بدأ القائد الثوري الجزائري مصطفى بن بوالعيد، مغامرة خطيرة جدا تمثلت في الانتقال من الجزائر إلى ليبيا سيرا على الأقدام في مهمّة "سريّة للغاية" سبقت اندلاع الثورة بشهرين ونصف.

اختار بن بوالعيد أن يقطع المسافة بين جبال الأوراس شرقي الجزائر إلى الحدود بين البلدين حتى يفلت من عيون المستعمر الفرنسي، التي كانت تلاحقه، منذ اكتشاف أمر "المنظمة الخاصة" سنة 1950، والتي كان أحد أعضائها.

تأمين السلاح للثورة

تمثلت المهمة السرية  لبن بوالعيد في تأمين أولى شحنات السلاح للثورة المنتظرة، وقد نجح في الدخول إلى ليبيا وهناك التقى بممثل الثورة حينها أحمد بن بلة (الرئيس الأسبق للجزائر) والمقاوم بشير قاضي، وكان هذا الثلاثي "خلية الثورة" لإيصال السلاح من الأراضي الليبية إلى الداخل الجزائري.

يتحدث الرئيس الجزائر الأسبق بن بلة عن الدعم الليبي للثورة في سيرته، التي كتبها الإعلامي التونسي الصافي سعيد بعنوان "بن بلة يتكلم.. المذكرات السياسية والثقافية للزعيم أحمد بن بلة"، فيقول ".. من ناحية الأموال التي نجحنا في الاستيلاء عليها (عملية سرقة بنك وهران الشهيرة)، استطعنا أن نجلب بها سلاحا من ليبيا التي كانت قد استقلت في ذلك الحين. لقد أرسلنا قوافل من منطقة الوادي وسوف إلى ليبيا، وقد استطاعوا أن يوصلوا السلاح الى جبال الأوراس عن طريق غدامس ثم بسكرة".

ويقول رئيس وزراء ليبيا الأسبق مصطفى أحمد بن حليم بين 1954 و1957، في كتابه صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي - مذكرات رئيس وزراء ليبيا الأسبق مصطفى أحمد بن حليم "وصلت شحنة سلاح وعتاد في أوائل شهر ديسمبر 1954 إلى ميناء طرابلس الغرب عبر اليخت المصري فخْر البحار، وبعد ذلك تم توجيهه إلى خليج منزوي غرب مدينة طرابلس، أين تم تفريغ الشحنة من طرف الضباط الليبيين في المخازن، ثم تم تسليمه لأحمد بن بلة ومساعديه لتهريبه للجزائر".

ويضيف في السياق ذاته ساردا تفاصيل هذا الدعم، ولكن عبر البرّ هذه المرة ".. توالت الشحنات تصل برا، يستلمها رجال قوة دفاع برقة من السلّوم وينسقون مع ضباط خلية العقيد عبد الحميد بدرنة، الذين يتسلمون الشحنات في الحدود البرقاوية الطرابلسية، ويوصلونها إلى مخازن مأمولة أعدوها لذلك، ثم يتولى رجال الأخ بن بلة تسريب السلاح إلى الجزائر، واستمر هذا الحال في سرية وكفاءة تامتين لمدة سنة تقريبا.. وكان الأخ أحمد بلة يتردّد على طرابلس للإشراف والتنسيق".

أكبر عملية تسليح

لكن أكبر عملية إمداد للثورة على الإطلاق بالسلاح عبر ليبيا تمت سنة 1955 بواسطة اليخت دينا، قد أبحرت الحمولة، وهي عبارة عن 21 طنا من الأسلحة، من القاهرة إلى طرابلس،  وهو ما يذكره بن بلة أيضا، وقد وصل اليخت إلى طرابلس في 8 مارس 1955 ومن ثم تم إفراغ جزء من السلاح هناك ودخل إلى الجزائر برا وواصل اليخت طريقه لإفراغ الشحنة في المغرب ليدخل ما تبقى من السلاح إلى الجزائر عبر الحدود الغربية.

وتكمن أهمية ليبيا في كونها قاعدة تسليح وخزان سلاح كبيرا للثورة الجزائرية، خصوصا بعد محاصرة الاستعمار للثورة على الحدود مع تونس والمغرب بخطي "شال وموريس" الشائكين المكهربين لمنع الثوار من تهريب الأسلحة إلى الداخل.

وتقول دراسة جامعة بعنوان "الواقع العسكري للثورة التحريرية في المنطقة الأولى (الأوراس النمامشة) 1954-1956"، إن "قاعدة ليبيا أسسها بن بوالعيد رفقة بن بلة وقاضي بشير في 20 أوت (أغسطس) 1954".

وتذهب الدراسة ذاتها إلى التأكيد على أن "معظم الأسلحة التي دخلت إلى الجزائر خلال مرحلة المنظمة الخاصة (١٩٤٧-١٩٥٠)، جيء بها من ليبيا"، وتضيف ".. يذكر المناضل أحمد بن بلة، الذي ترأس المنظمة الخاصة بعد بلوزداد وآيت أحمد، بأن كمية السلاح الذي انطلقت به ثورة نوفمبر 1954، تم اقتناؤه من ليبيا ومر على طريق غدامس ثم الوادي ثم بسكرة ثم مشونش وآريس وكان سلاحا جيدا، إلا أنه غير كاف (حوالي 500 قطعة)".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية