معمر القذافي (2009)
معمر القذافي كان يعتبر خليج السدرة جزءا من المياده الليبية

في مثل هذا اليوم (19 أغسطس) عام 1981، دفع العقيد الليبي معمر القذافي طائرتين لمهاجمة مقاتلات أميركية في خليج سدرة قبالة السواحل الليبية، ودخل الطرفان في مناوشات جوية انتهت بتحطم الطائرتين المهاجمتين.

وتعود جذور هذه المعركة الجوية إلى عام 1973 عندما أعلن القذافي أن كامل خليج السدرة جزء من مياه ليبيا الإقليمية، ما دفع البحرية الأميركية إلى إجراء عمليات حرية الملاحة البحرية بالمنطقة وتسبب ذلك في مواجهات أخرى خلال 1986 و1989.  

خلفيات الحادث

يقع خليج السدرة  - يُسمى أيضا خليج سرت -  على طول 439 كيلومتر من الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ويضم أبرز موانئ تصدير النفط في الشرق الليبي، وأبرزها ميناء "السدرة" النفطي الذي أنشئ عام 1962 على بعد 180 كيلومترا شرقي مدينة سرت، وتربطه بالهلال النفطي في جنوب البلاد أنابيب يتجاوز طولها 1400  كيلومتر.

وبالإضافة إلى الأهمية النفطية لهذه المنطقة المشهورة تاريخيا بـ"سرت الكبرى"، فإن المياه الساحلية عُرفت لقرون عدة بين الدول المجاورة كمركز رئيسي لصيد سمك التونة. 

لكن في 10 أكتوبر 1973، أعلن نظام القذافي من جانب واحد أن خليج سرت "جزء لا يتجزأ" من الأراضي الليبية، ما يعني ضم ما يزيد عن مئة كيلومتر من الخليج المُطل على سواحل مدينتي بنغازي ومصراتة إلى المياه الإقليمية الليبية. 

وفي الأيام الموالية، أخطرت ليبيا - عبر سفارتها في واشنطن - الولايات المتحدة بالقرار، كما راسلت الأمم المتحدة مُبررة إغلاق المنطقة البحرية أمام الملاحة بـ"المصالح الأمنية" والحقوق السيادية الليبية. 

وعلى إثر ذلك، قررت طرابلس فرض نظام الترخيص المُسبق إلزاميا على السفن الأجنبية، التي تنوي الإبحار في خليج السدرة.

وفي 11 فبراير 1974، وجهت الولايات المتحدة مذكرة احتجاج إلى ليبيا أشارت فيها إلى أن الخطوة الليبية "غير مقبولة" و"تشكل انتهاكًا للقانون الدولي". 

وعلّلت واشنطن رفضها الاعتراف بالحقوق الليبية على المنطقة، بكونها "تخالف" اتفاقيات جنيف عام 1958 لقانون البحار، وفق الخبير الأوروبي في القانون الدولي، فرانشيسكو فرانشيوني، الذي نشر عام 1984 ورقة بحثية تحت عنوان "​​وضع خليج سرت في القانون الدولي"، يشرح من خلالها جذور الصراع والتوتر الأميركي-الليبي والاتفاقات الدولية التي تضبط حدود الجرف القاري والمياه الإقليمية.  

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان يومها، إن "حكومة الولايات المتحدة تنظر إلى الإجراء الليبي على أنه محاولة للاستيلاء على مساحة كبيرة من أعالي البحار من خلال عمل انفرادي، وبالتالي التعدي على المبدأ الراسخ لحُرية البحار"، مشيرة إلى أنها "تحتفظ بحقوقها" الخاصة بالملاحة في المنطقة. 

المعارك الجوية

وتصاعدت التوترات بشدة بين واشنطن وطرابلس إثر قيام قوات البحرية الأميركية بإجراء عمليات حرية الملاحة في خليج السدرة، وهو ما ردّ عليه النظام الليبي بنشر صواريخ اعتراضية وقاذفات في المناطق الساحلية. 

وإلى جانب التصعيد على الأرض اندلعت حرب كلامية بين القذافي، والرئيس الأميركي حينها، رونالد ريغان، حتى "اكتسب الزعيم العربي مكانة هتلرية في الولايات المتحدة باعتباره مجنون المجانين"، وفقاً لما نقله المؤرخ الأميركي، رونالد بروس سانت جون، في كتابه الصادر عام 2002 "أميركا وليبيا: 200 عام من الصراع".

وأضاف سانت جون أن القذافي قام بتحدي عزيمة ريغان في خليج السدرة مُطلقاً على المنطقة "خط الموت"، وهو ما ردّ عليه الرئيس الأميركي بعد قبوله المبارزة التي انتهت بتحقيق الأخير ""نصرا" عسكريا سهلا". 

وبالفعل، ففي 19 أغسطس 1981، قامت مقاتلتان أميركيتان من طراز "إف-14 توم كات" (F-14 Tomcat) بإسقاط طائرتين ليبيتين من طراز سوخوي سو-22 (Sukhoi Su-17)​​ قبالة السواحل الليبية.

جاء هذا بعد أن أطلق أحد الطياريْن الليبيين النار على المقاتلات الأميركية، وعلى إثر سلسلة مضايقات ليبية أخرى لحاملات الطائرات العملاقة "نيمتز" التي كانت تجري تدريبات بالمنطقة. 

لاحقاً، ذكر تقرير للبحرية الأميركية أن كلا من الطيارين الليبيين نجيا من الموت، لكن هناك شكوك تشير إلى أن أحدهما قضى على ما يبدو في هذا الحادث بعد تعطّل مظلته الجوية أثناء القفز من الطائرة. لكن نظام القذافي لم يكشف عن وقوع ضحايا في الحادث.

ولم يتوقف الصراع بشأن خليج السدرة عند هذا الحادث، إنما تطور في السنوات اللاحقة إلى سلسلة من الاشتباكات العسكرية، خاصة في 23 مارس 1986 عندما تواجهت القوات الجوية والبحرية الليبية مع أسطول الولايات المتحدة السادس، ما أسفر عن غرق سفينتين حربيتين ليبيتين، ومقتل ما يزيد عن 30 بحارا ليبيا.

وتجددت المواجهات أيضا في عام 1989 في الأجواء شمالي مدينة طبرق بين القوات الجوية الأميركية والليبية، وأسفرت أيضا عن سقوط مقاتلتيْن ليبيتين، لكن من دون تسجيل ضحايا. 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية