الممثل سيراط بومدين
الممثل المسرحي الجزائري الراحل سيراط بومدين

لا يزال الممثل المسرحي الجزائري سيراط بومدين خالدا في ذاكرة الجزائريين، رغم مرور 28 عاما على رحيله، وذلك بالنظر إلى الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي عالج فيها الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية بأسلوب يجمع بين السخرية والجدية.

تتذكّره في هذه الأيام عاصمة الغرب الجزائر وهران في فعاليات ثقافية تحمل اسمه هي "الأيام المسرحية سيراط بومدين"، التي انطلقت في 12 أغسطس وتُختتم غدا الأحد 20 أغسطس الذي يصادف ذكرى رحيله في ذات اليوم عام 1995.

فمن يكون هذا الرجل، الذي أطلق زملاؤه لقب "سيد الكوميديا السوداء" ونافس العملاق المصري عبد الله غيث في مهرجان دولي؟

عصامي التكوين

ولد سيراط بومدين سنة 1947 بمدينة وهران التي تتنفّس الفن بشتى طبوعه ما جعلها - على مر السنين - "مشتلة" لتخريج عمالقة الفن من أمثال؛ الشاب خالد وأحمد وهبي وبلاوي الهواري في الغناء وعبد القادر علولة وعزالدين مجوبي وغيرهم في المسرح.

وترعرع سيراط بعيدا في هذا العالم الفني، فتأثر به في سن صغيرة وبرع فيه شابا ثم كبيرا، رغم أنه لم يدرس المسرح أبدا في حياته.

تقول وكالة الأنباء الجزائرية في تقرير سابق عن سيرته "سيراط كان عصاميا ولم يكن له تكوين أكاديمي في المسرح، إلا أنه كان ممثلا قديرا فوق الخشبة بفضل موهبته وإتقانه للعمل.. كان يبذل مجهودا كبيرا فوق الركح وكان حضوره على الخشبة مختلفا عن حضور غيره".

وتكشف الوكالة بأنّ "المسرحي الكبير ولد عبد الرحمان كاكي هو الذي اكتشف موهبة سيراط بومدين، فأسند له أدوارا في أعمال عديدة منها؛ "القراب والصالحين" و"ديوان ملاح".

كانت أول مسرحية شارك فيها سيراط هي "إفريقيا قبل العام الأول" سنة 1965 ومن يومها بات اسمه يتردّد في الوسط الفني، وانخرط في مسرح الهواة سنة 1968 وفي 1969 انضم إلى المسرح المحترف، وشارك في مسرحيات عديدة مثل "اللثام" و"اللي كلا يخلص" (من أكل يجب أن يدفع) و"البلعوط" (المخادع).

نجم سيرط يسطع

لقد فرَش ولد عبد الرحمان كاكي الطريق أمام سيراط ليسطع نجمه في عالم التمثيل، تجلّى ذلك عندما بدأ كبار المسرحيين الجزائريين يعرضون عليه أعمالا كبيرة كان يؤديها بإتقان، منها أدواره في مسرحيات أبرزها؛ "صياد الملح" و"العلق" و"الخبزة" و"حمام ربي" و"الأجواد".

لم يسطع نجم سيراط في الجزائر فحسب بل تعداه إلى خارجها، ففي العام 1986 سجّل مفاجأة مدوّية على الصعيد العربي في تونس، عندما تُوّج بجائزة أحسن أداء رجالي في "مهرجان قرطاج الدولي للمسرح" أمام منافسه الممثل المصري الكبير عبد لله غيث، الذي صعد إلى الخشبة ليهنئه.

عبقرية سيراط في التمثيل جعله زملاءه يطلقون عليه لقب "سيد الكوميديا السوداء"، فلقد حمل سيراط على عاتقه مهمة نقل مأساة الجزائريين البسطاء اليومية مع أزمة السكن والبطالة وضعف الأجور ومشكلة النقل ونقص الماء الشروب وغيرها إلى خشبة المسرح، وعالجها في قالب فكاهي ببراعة بالغة، وهو ما جعل الجمهور يتحلّق حول عروضه المسرحية في كل ولاية يزروها.

سيراط مطلب الجماهير

هذه "الكوميديا السوداء" جعلت سيراط يتحوّل إلى مطلب لدى جمهور أكبر من جمهور المسرح هو جمهور التلفزيون، وفعلا دخل سيراط الشاشة الصغيرة في التسعينيات عبر مسلسلين كبيرين هما "عايش بالهف" (عايش بالمراوغة) و"شعيب لخديم".

كان هذا العملان درّة أعمال سيراط التلفزيونية، التي رمت به في أحضان الجمهور العريض للتلفزيون مقارنة بجمهوره الضيق في المسرح.

ففي "شعيب لخديم" شاهد الجزائريون أنفسهم في المرآة لأول مرة، لمن خلال أسلوب سيراط بومدين "الكوميدي الأسود"؛ فرأوا أنفسهم وهم يعانون من أزمة السكن وهم يطرقون أبواب المسؤولين بحثا عن منصب، وهم يشتكون من غلاء المعيشة وهم يصرخون من أزمة المياه.

ومن التلفزيون ارتقى سيراط إلى عالم السينما، فشارك في ثلاثة أفلام جزائرية هي؛ "الرماد" للمخرج عبد الكريم بابا عيسى و"حسَن نية 2" لغوثي بن ددوش وبطولة فيلم "الصورة" للمخرج الحاج رحيم، وكلها ذات طابع اجتماعي.

في 20 أغسطس 1995 توفي سيراط بومدين بمستشفى مستغانم غربي الجزائر بعد مسيرة فنية دامت ثلاثين سنة، أضحك فيها الجزائريين في عز العشرية السوداء، لكنّه تمكّن من إيصال رسائل سياسية في قالب فكاهي اجتماعي وهو ما جعله جديرا بلقب "سيد الكوميديا السوداء".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية