شكلت الدورة الأولى للمجلس الوطني للثورة الجزائرية التي انعقدت يومي 20 و21 أغسطس 1957 بالعاصمة المصرية القاهرة، تحولا جديدا في إدارة الثورة.
يرجع ذلك إلى القرارات الصادرة آنذاك والتي اعتبرها البعض "انقلابا" على مؤتمر الصومام الذي انعقد في 20 أغسطس 1956 بالجزائر، بينما اعتبرها آخرون "تصحيحا" لمسار الثورة.
ظروف انعقاد الدورة
يعتبر المجلس الوطني أعلى هيئة لقيادة الثورة والإشراف عليها ومراقبة هياكلها، وتأسس بناء على قرار صدر في مؤتمر الصومام، وضم في تشكيلته 34 عضوا ينقسمون على 17 عضوا أساسيا و17 إضافيا، بحسب ما يوضح المؤرخ، محمد لمين بلغيث.
وعن ظروف انعقاد الدورة الأولى للمجلس، يقول بلغيث في حديث مع "أصوات مغاربية" إنها "جاءت وكأنها رد على قرارات مؤتمر الصومام"، وذلك بسبب "الشعور العام لدى الرواد الأوائل للثورة بأن مؤتمر الصومام سعى بقراراته لسحب البساط من تحت أقدامهم"، مشيرا إلى أن أحمد بن بلة ومحمد بوضياف والعديد من القيادات "لم تكن راضية عن مؤتمر الصومام".
وتابع بلغيث سرد عدد من الأحداث التي سبقت انعقاد الدورة الأولى للمجلس الوطني للثورة وبينها إلقاء القبض على العربي بن مهيدي وإعدامه من قبل الفرنسيين، ومقتل زيغود يوسف قائد الولاية الثانية في سبتمبر 1956، ثم اختطاف الفرنسيين للطائرة التي كانت تقل الزعماء الخمسة من المغرب نحو تونس لحضور مؤتمر مغاربي في أكتوبر 1956.
وبحسب المتحدث فإن تلك التطورات "أضعفت لجنة التنسيق التي تبنت قرارات الصومام، وسهلت انتقال المعارضين لهذا المؤتمر نحو إعداد دورة المجلس الوطني وفق تصوراتهم"، في الوقت الذي كانت "الثورة قد أخذت طريقها نحو الانتشار الواسع".
"حضور عسكري بارز"
ناقش أعضاء مجلس الثورة أوضاع الجزائر على ضوء التطورات سابقة الذكر، ويشدد المؤرخ بلغيث في هذا السياق على أن "التباين كان واضحا، وأن لغة الحزم من طرف التيار المناهض لمؤتمر الصومام كانت حاضرة"، لافتا إلى أن "حضور العسكريين كان بارزا على حساب السياسيين الذين بدا أنهم فقدوا السيطرة على المجلس الوطني للثورة".
ويضيف بلغيث أن عبان رمضان كان يمثل الطرف السياسي في المجلس رفقة سعد دحلب والعقيد سليمان دهيليس قائد الولاية الرابعة لاحقا ويوسف بن خدة، في مقابل لخضر بن طوبال من الولاية الثانية وعبد الحفيظ بوصوف قائد الولاية الخامسة مدعوما بهواري بومدين، وقيادات أخرى عسكرية وسياسية كانوا يمثلون الجانب العسكري.
ويؤكد المتحدث ذاته أن "الكفة مالت لصالح العسكريين الذين سبق أن عملوا على ترتيب أوراقهم قبيل انعقاد الدورة" التي يرى أنها "جاءت لتعديل الموازين داخل الثورة الجزائرية بعدما مالت لتيار عبان رمضان خلال مؤتمر الصومام".
إعادة ترتيب الأولويات
من جانبه، وتعليقا على مجريات ومخرجات الدورة الأولى للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، يقول الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية، محمد بن ترار أن تلك الدورة التي وسعت عدد أعضاء هيئة التنسيق والتنفيذ التي أشرفت على مؤتمر الصومام، ووسعت من تعداد المجلس الوطني إلى 54 عضوا "أنهت جدلا أثار خلافات عدة بين قيادات الجيش والسياسيين من جهة وبين قيادة الثورة داخل الجزائر وخارجها من جهة ثانية".
ويذكر بن ترار في حديثه لـ"أصوات مغاربية" أن الدورة "ألغت أولوية السياسي على العسكري، والداخل على الخارج من منطلق أن الأولوية للأداء قبل كل شيء".
كما أعادت، الدورة، بحسب المتحدث ذاته "التشديد على المنطلقات الفكرية والعقائدية (العروبة والإسلام) التي نص عليها بيان أول نوفمبر"، بالإضافة إلى التركيز على "أهمية العمل الخارجي مع الأمم المتحدة وباقي المنابر الدولية للدفاع عن القضية الجزائرية".
ويتابع بن ترار أن "الدورة نجحت وفق ما ترتب عنها في توحيد مصادر القرار وأثمرت، بعد سنة، عن تشكيل الحكومة المؤقتة الجزائرية في سبتمبر 1958 بالقاهرة" مردفا أن تلك القرارات "أنهت الجدل بين تيارين قويين داخل الثورة".
- المصدر: أصوات مغاربية