في أواخر أغسطس 1937 (27 أغسطس) اعتقلت فرنسا الاستعمارية ثلاثة رجال جزائريين وصفتهم بـ"المحرضين ضد سيادتها وعلى الثورة عليها".
بعد 17 سنة كاملة سيكون لهذه الحادثة دور كبير في التحضير لتفجير ثورة عارمة ضد الوجود الفرنسي في الجزائر. فمن هم هؤلاء الرجال ولماذا تم اعتقالهم؟
الرجالة الثلاثة الذي زجت بهم السلطات الفرنسية في السجن هم؛ من سيصبح فيما بعد "أب الحركة الوطنية" مصالي الحاج، و"شاعر الثورة" بعد اندلاعها مفدي زكريا، والوزير في الحكومة المؤقتة الجزائرية لاحقا محمد خيضر.
اتهامات بالفاشية والنازية
وجهت السلطات الأمنية الفرنسية لهؤلاء الرجال تهما غريبة هي؛ العلاقة بهتلر وموسوليني!
وبناء على هذه التهم أدينوا بسنتين سجنا، وقبل هذه الحادثة بأشهر (يناير 1937) كانت السلطات الاستعمارية قد حلت "حزب نجم شمال أفريقيا" الذي أسسه مصالي الحاج الذي أعلن في مارس من السنة ذاتها تأسيس "حزب الشعب الجزائري"، الذي سيكون حاضنة الثورة المنتظرة.
وعن الأسباب الحقيقية لاعتقال مصالي ورفاقه، جاء في دراسة للباحث الجزائري خالد بوهند "لقد رد مصالي على تلك التهم، من خلال تصريح أدلى به أمام المحكمة في 2 نوفمبر1937، حيث أبرز مطالب حزب الشعب الجزائري المتمثلة في تأسيس برلمان جزائري، كما نفى أن يكون حزبه حليف الفاشستية".
البيانات التي أصدرها "حزب الشعب الجزائري " جاء فيها بأن "المناضلين الوطنيين سجنوا لاتهامهم بالفاشستية، وبصلاتهم مع موسوليني وهتلر"، يضيف المصدر ذاته.
"مدرسة الوطنية" في السجن
لقد كانت هذه أول مرة ينادي فيها سياسيون جزائريون بتأسيس برلمان مستقل عن فرنسا، وهو ما اعتبرته الأخيرة تحريضا ضد سيادتها على الجزائر ودعوة للثورة عليها.
لم ييأس مصالي الحاج بعد سجنه من مواصلة نضاله لتكوين حركة وطنية تنادي بالاستقلال، وسيصبح فيما بعد أبا لها، كما اصطلح على تسميته المناضلون في حزبه.
فمن داخل السجن أنشأ مصالي الحاج (1898- 1974) مدرسة ليربي فيها جيلا من المناضلين المساجين، الذين سيصبحون فيما بعد قادة ووقودا لثورة الفاتح نوفمبر 1954.
وعن هذه المدرسة يقول مصالي في مذكراته "اعتبرتُ مع رفاقي أن العمل الأكثر أهمية هو أن ننشئ مدرسة داخل السجن، لنتعلم اللغة العربية والفرنسية وتاريخ الحركة الوطنية الجزائرية".
الشاعر والوزير السجينان
في السجن أخذ مفدي زكريا (1908-1977)، وهو أصيل مدينة غرداية، على عاتقه تدريس المساجين الجزائريين اللغة العربية.
انضم زكريا مبكرا إلى الحركة الوطنية في أوائل ثلاثينات القرن العشرين، وسجن عدة مرات بسبب نضاله ضد الفرنسيين، واشتهر بـ"شاعر الثورة" وهو مؤلف نشيد الجزائر الرسمي "قسما".
أما محمد خيضر فوُلد بمدينة بسكرة جنوب الجزائر العام 1912، وتوفي العام 1967 بإسبانيا في عملية اغتيال لا تزال غامضة إلى اليوم.
كان أحد أركان الحركة الوطنية قبل اندلاع ثورة التحرير، وبعد تفجير الثورة العام 1954 وتأسيس الحكومة المؤقتة الجزائرية في القاهرة العام 1958 عين عضوا فيها.
المصدر: أصوات مغاربية