تحلّ اليوم (30 أغسطس) الذكرى الـ68 لاختتام مفاوضات "إيكس ليبان" بين السلطات الفرنسية وشخصيات سياسية مغربية والتي مهّدت الطريق لرجوع السلطان المغربي محمد الخامس من المنفى ونهاية حقبة الحماية الفرنسية على البلاد.
وبُرمجت هذه المحادثات رسمياً للانعقاد بين 20 و30 أغسطس 1955 بين قادة الحركة الوطنية المغربية والسلطات الفرنسية، للتفاوض حول صيغة إنهاء الاستعمار ومستقبل العلاقة بين البلدين بعد الاستقلال.
وهذه بعض الحقائق عن هذه المفاوضات:
"انطلقت متأخرة وانتهت مبكراً"
عقدت المفاوضات المباشرة بين الفرنسيين والشخصيات السياسية المغربية في مدينة "إيكس ليبان"، وهي مدينة صغيرة في مقاطعة سافوا جنوب شرق فرنسا، معروفة بكونها حاضنة لمنتجع سياحي ظل عبر قرون وجهة النبلاء والأثرياء للراحة والاستجمام.
تؤكد بعض الروايات أن المفاوضات - التي ضمت 37 شخصية سياسية وحزبية مغربية - لم تدم في الواقع سوى خمسة أيام عوض عشرة أيام، وأنها انطلقت متأخرة في 22 أغسطس، ثم انتهت في الـ27 من الشهر نفسه.
37 شخصية.. واستبعاد الكلاوي
عرفت المفاوضات مشاركة أطياف واسعة من الحركة الوطنية المغربية، إذ ضم وفد البلاد كل من ممثلي حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، بالإضافة إلى شخصيات عديدة من المقاومة وغيرها.
وبحسب العديد من الروايات، فإن فرنسا تعمدت إلحاق بعض الشخصيات المحسوبة عليها إلى الوفد المغربي من أجل تمييع الأجندة المغربية والحفاظ على مصالحها في البلاد.
وفي الأصل، حاولت باريس إقحام بعض القادة الكبار المحسوبين عليها، من أمثال الباشا التهامي الكلاوي، لكن رد فعل الشخصيات الحزبية المغربية الرافض للجلوس معهم في الطاولة أقنع فرنسا بالاستغناء عنهم.
ويعتقد البعض أن هذه التحركات الفرنسية عطّلت جدول المفاوضات. وتشير بعض الكتابات التاريخية إلى أن الوفد وصل إلى 41 شخصية، وكان أبرزهم أول رئيس حكومة في المغرب المستقل، مبارك البكاي، والمهدي بن بركة، وعبد الهادي بوطالب، وشخصيات أخرى وازنة، مثل الحاج الفاطمي بنسليمان.
وفد فرنسي مصغّر
وفي حين حاولت فرنسا "إفساد" المجرى الحقيقي للمفاوضات بإقحام عشرات الشخصيات المغربية ذات الأجندة المتنافرة في المحادثات، كان وفدها منسجماً تحت قيادة رئيس الحكومة، إدغار فور ومشاركة وزير الشؤون الخارجية، أنطوان بيناي، وجنرال واحد ومسؤول بارز عن الشؤون المغربية.
ضغوط لعودة الملك الشرعي
15 عاما بعد توقيع معاهدة الحماية عام 1912، تولى السلطان محمد بن يوسف (لاحقا "محمد الخامس") وكان عمره لا يتجاوز 18 عاما، إلا أنه سرعان ما تحوّل إلى شوكة في خاصرة الاستعمار برفضه توجهات سلطات الحماية.
وعمدت فرنسا في 20 أغسطس عام 1953 إلى نفيه وأسرته خارج البلاد، كما نصبت بدلا عنه سلطانا صوريا يُدعى "محمد بن عرفة".
وقد كان نفي محمد الخامس العامل الذي صعّد المقاومة المغربية ضد الاستعمار، ولهذا السبب انبرت مفاوضات "إيكس ليبان" إلى إزاحة بن عرفة، وتنصيب مجلس حفظة العرش تولاه الفاطمي بن سليمان في 17 أكتوبر 1955.
وإثر ضغوط استمرار الغليان الشعبي والمقاومة رضخت فرنسا في 16 نوفمبر عام 1955 لعودة محمد الخامس من المنفى، الأمر الذي خلّف فرحة عارمة لدى المغاربة. وبعدها بنحو سنة حصل المغرب على الاستقلال.
أطراف معارضة
خلفت نتائج مفاوضات "إيكس ليبان" ردود فعل مختلفة، بعضها رفض نتائجها، معتبرا أن المغرب نال "استقلالا منقوصا".
وكان الزعيم الريفي، محمد بن عبد الكريم الخطابي، وعدد من قادة المقاومة وجيش التحرير من أبرز الرافضين لما اعتبروه "إغراءات" و"وعود" فرنسا، واصفين المحادثات بـ"الاستسلام".
وما يزال بعض الباحثين المغاربة يختلفون حول ظروف هذه المفاوضات وتداعياتها، بينما يشير آخرون إلى أن فرنسا خرجت عسكرياً من الباب ودخلت من نافذة "الاستعمار الثقافي والفكري" بسبب "إيكس ليبان".
المصدر: أصوات مغاربية