بعض أعضاء الوفد الفرنسي والمغربي في 23 أغسطس 1955 خلال مفاوضات "إيكس ليبان"
بعض أعضاء الوفد الفرنسي والمغربي في 23 أغسطس 1955 خلال مفاوضات "إيكس ليبان"

تحلّ اليوم (30 أغسطس) الذكرى الـ68 لاختتام مفاوضات "إيكس ليبان" بين السلطات الفرنسية وشخصيات سياسية مغربية والتي مهّدت الطريق لرجوع السلطان المغربي محمد الخامس من المنفى ونهاية حقبة الحماية الفرنسية على البلاد. 

وبُرمجت هذه المحادثات رسمياً للانعقاد بين 20 و30 أغسطس 1955 بين قادة الحركة الوطنية المغربية والسلطات الفرنسية، للتفاوض حول صيغة إنهاء الاستعمار ومستقبل العلاقة بين البلدين بعد الاستقلال. 

وهذه بعض الحقائق عن هذه المفاوضات:

"انطلقت متأخرة وانتهت مبكراً"

عقدت المفاوضات المباشرة بين الفرنسيين والشخصيات السياسية المغربية في مدينة "إيكس ليبان"، وهي مدينة صغيرة في مقاطعة سافوا جنوب شرق فرنسا، معروفة بكونها حاضنة لمنتجع سياحي ظل عبر قرون وجهة النبلاء والأثرياء للراحة والاستجمام.  

تؤكد بعض الروايات أن المفاوضات - التي ضمت 37 شخصية سياسية وحزبية مغربية - لم تدم في الواقع سوى خمسة أيام عوض عشرة أيام، وأنها انطلقت متأخرة في 22 أغسطس، ثم انتهت في الـ27 من الشهر نفسه. 

37 شخصية.. واستبعاد الكلاوي

عرفت المفاوضات مشاركة أطياف واسعة من الحركة الوطنية المغربية، إذ ضم وفد البلاد كل من ممثلي حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، بالإضافة إلى شخصيات عديدة من المقاومة وغيرها.

وبحسب العديد من الروايات، فإن فرنسا تعمدت إلحاق بعض الشخصيات المحسوبة عليها إلى الوفد المغربي من أجل تمييع الأجندة المغربية والحفاظ على مصالحها في البلاد.

وفي الأصل، حاولت باريس إقحام بعض القادة الكبار المحسوبين عليها، من أمثال الباشا التهامي الكلاوي، لكن رد فعل الشخصيات الحزبية المغربية الرافض للجلوس معهم في الطاولة أقنع فرنسا بالاستغناء عنهم. 

ويعتقد البعض أن هذه التحركات الفرنسية عطّلت جدول المفاوضات. وتشير بعض الكتابات التاريخية إلى أن الوفد وصل إلى 41 شخصية، وكان أبرزهم أول رئيس حكومة في المغرب المستقل، مبارك البكاي، والمهدي بن بركة، وعبد الهادي بوطالب، وشخصيات أخرى وازنة، مثل الحاج الفاطمي بنسليمان.

وفد فرنسي مصغّر

وفي حين حاولت فرنسا "إفساد" المجرى الحقيقي للمفاوضات بإقحام عشرات الشخصيات المغربية ذات الأجندة المتنافرة في المحادثات، كان وفدها منسجماً تحت قيادة رئيس الحكومة، إدغار فور ومشاركة وزير الشؤون الخارجية، أنطوان بيناي، وجنرال واحد ومسؤول بارز عن الشؤون المغربية.

ضغوط لعودة الملك الشرعي

​​15 عاما بعد توقيع معاهدة الحماية عام 1912، تولى السلطان محمد بن يوسف (لاحقا "محمد الخامس") وكان عمره لا يتجاوز 18 عاما، إلا أنه سرعان ما تحوّل إلى شوكة في خاصرة الاستعمار برفضه توجهات سلطات الحماية.

وعمدت فرنسا في 20 أغسطس عام 1953 إلى نفيه وأسرته خارج البلاد، كما نصبت بدلا عنه سلطانا صوريا يُدعى "محمد بن عرفة". 

وقد كان نفي محمد الخامس العامل الذي صعّد المقاومة المغربية ضد الاستعمار، ولهذا السبب انبرت مفاوضات "إيكس ليبان" إلى إزاحة بن عرفة، وتنصيب مجلس حفظة العرش تولاه الفاطمي بن سليمان في 17 أكتوبر 1955.

وإثر ضغوط استمرار الغليان الشعبي والمقاومة رضخت فرنسا​​​ في 16 نوفمبر عام 1955 لعودة محمد الخامس من المنفى، الأمر الذي خلّف فرحة عارمة لدى المغاربة. وبعدها بنحو سنة حصل المغرب على الاستقلال.

أطراف معارضة 

خلفت نتائج مفاوضات "إيكس ليبان" ردود فعل مختلفة، بعضها رفض نتائجها، معتبرا أن المغرب نال "استقلالا منقوصا".

وكان الزعيم الريفي، محمد بن عبد الكريم الخطابي، وعدد من قادة المقاومة وجيش التحرير من أبرز الرافضين لما اعتبروه "إغراءات" و"وعود" فرنسا، واصفين المحادثات بـ"الاستسلام".

وما يزال بعض الباحثين المغاربة يختلفون حول ظروف هذه المفاوضات وتداعياتها، بينما يشير آخرون إلى أن فرنسا خرجت عسكرياً من الباب ودخلت من نافذة "الاستعمار الثقافي والفكري" بسبب "إيكس ليبان". 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية