بدأت السلطات في غرب ليبيا، الإثنين، تتحرك مجددا من أجل تنفيذ مشروع السكك الحديدية الذي تعطل منذ اندلاع الثورة في 2011 وتصاعد الحرب الأهلية.
ووفقاً لتلفزيون "ليبيا الأحرار"، فإن النائب بالمجلس الرئاسي، موسى الكوني، انتقد خلال اجتماع مع مسؤولين إداريين، التأخير في تنفيذ مشروع السكك الحديدية في البلاد، قائلا إن هذا التأخير "ستكون له آثار سلبية على مشاريع التنمية".
ولفت إلى إيجابيات المشروع في ربط المناطق الليبية التي تفرقها الجغرافيا الشاسعة للبلاد، داعياً إلى "العمل على تذليل الصعوبات بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لاستئناف العمل بالمشروع بعودة الشركات المنفذة له".
وكان النظام السابق بدأ المشروع في عام 2003 بالتعاقد مع شركات صينية وروسية لربط غرب البلاد بشرقها، لكن الجهود الاستثمارية تعطّلت بفعل الحرب ورحيل هذه الشركات.
أول قطار.. "عثماني"
وتعود قصة السكك الحديدية في ليبيا إلى مطلع القرن العشرين، حيث كانت القطارات تجوب مناطق محددة في شرق البلاد، وكان الأتراك بذلك أول من شيّد الخط السككي الليبي.
هذا القطار، الذي بدأ العمل عام 1901، ظل منحصرا في بنغازي (شرق) وضواحيها، وخُصص لربط ميناء المدينة بمقلع قريب لاستخراج ثم شحن المعادن والأحجار الجيرية مثل "الكلس".
وفي وقت لاحق، استخدم المسؤولون العثمانيون بعض العربات لتنقل الركاب في المدينة.
لكن ليبيا لن تشهد عصر القطارات، التي تقطع المسافات الطويلة، إلا في عهد الاحتلال الإيطالي لليبيا (1911-1951). ففي عام 1912، شرعت إيطاليا، رغبة منها في استغلال ثروات البلاد، في بناء نحو 400 كيلومتر من السكك الحديدية في غرب البلاد لربط العاصمة طرابلس بمناطق عدة، أبرزها زوارة، وغريان وتاجوراء.
وفي شرق البلاد، بنى الاستعمار أيضا سكك حديد لربط بنغازي بمنطقة "الرجمة" البعيدة بنحو 25 كيلومترا، ثم خطين آخرين نحو كل من بلدة "الأبيار" و"سلوق" مع نهاية 1927. وفي المجمل، تجاوزت مناطق الربط بالسكك الحديد في الشرق الليبي 100 كيلومتر.
وبقيت هذه الخطوط تعمل خلال الثلاثينات من القرن الماضي إلى أن قرر الإيطاليون في 1941 بناء خط سكة حديد بين طرابلس (غرب) وبنغازي شرقاً. في المراحل الأولى، تقدم المشروع نحو 40 كيلومترا من بلدة المرج (شمال شرق) باتجاه مدينة درنة نحو الغرب، لكنه توقف بفعل الضربات التي تلقتها إيطاليا في شمال أفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية.
وبحلول يوليو 1943، توقف توسيع المشروع السككي لربط شرق ليبيا بغربها إثر الهزيمة الإيطالية في الحرب العالمية الثانية، ثم الاستسلام.
آخر قطار ليبي
حصلت المملكة الليبية على الاستقلال في الثاني من ديسمبر 1951، فظلت القطارات الموروثة عن حقبة الاستعمار تعمل في الشرق والغرب، بينما تعالت الأصوات بأهمية توسيعها.
ووفقا للباحث في التاريخ الليبي، مصطفى عبد الله بعيو، فإن أوائل الستينات شهدت مطالبات بـ"ربط فزان بالساحل بسكة حديدية خصوصا بعد أن انتشرت الأقوال بوجود مادة الحديد الخام هناك. ولكن هذا المشروع لم يتم تحقيقه".
وأضاف، في مقالة أعادت مجلة "جيل ليبيا" نشرها في 2009 تحت عنوان "تاريخ السكة الحديدية في ليبيا"، أن النقل بالسيارات بدأ ينافس النقل عبر القطارات في أواخر الستينات وبداية السبعينات فتم التخلي عن فكرة الاستثمار في بناء القطارات.
وبالفعل، توقفت القطارات الليبية بشكل نهائي في 1965، وظل الاستثمار في هذا المجال منسياً لمدة طويلة بعد سقوط الملكية عام 1969 وبداية حقبة حكم العقيد معمر القذافي (1969-2011).
لكن في 1998، أعلنت الحكومة الليبية الرغبة بإنشاء شبكة ضخمة بطول 3170 كيلومترا.
وكانت الخطط الأولى تسعى إلى ربط البلدة الساحلية الغربية "رأس أجدير" بمدينة "سرت" مروراً بالعاصمة طرابلس، وتقدمت الأشغال مؤقتا في هذا المشروع.
وفي 2008، حصلت "الشركة الصينية لبناء السكك الحديدية" على عقود لبدء العمل على شبكة بطول 352 كيلومترا بين سرت والخمس على أن تنتهي بحلول 2013.
وكان مزمعا أيضا بدء العمل في 2010 في سكة حديدية تتولى "الشركة السكك الحديدية الروسية" بناءها بطول 554 كيلومترا من سرت إلى بنغازي شرقاً.
لكن إثر انهيار نظام القذافي وارتفاع مستويات العنف في البلاد، غادرت الشركات الأجنبية هذه المشاريع الضخمة، فظلت ليبيا بلا قطارات لربط أطراف هذا البلد المغاربي ذي الجغرافيا الشاسعة.
المصدر: أصوات مغاربية